المقام والمسير، فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣)﴾ [التوبة: ٧٣]. فالجهادُ بالعلم والحجّة جهادُ أنبياءِ الله ورسله وخاصّته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق، ومن مات ولم يغزُ، ولم يحدِّثْ نفسَه بغزو مات على شعبة من النفاق.
وكفى بالعبد عَمًى وخِذلانًا أن يرى عساكرَ الإيمان، وجنودَ السنّة والقرآن، قد لبِسُوا للحرب لأمتَه، وأعدُّوا له عُدّتَه، وأخذوا مصافَّهم، ووقفوَا مواقفَهم، وقد حمِي الوطيسُ، ودارت رحى الحرب، واشتدّ القتال، وتنادت الأقرانُ نَزَالِ نَزَالِ، وهو في المَلْجأ والمغارات والمُدَّخَل مع الخوالف كمين. وإذا ساعد القدرُ وعزم على الخروج قعد فوق التل مع الناظرين، ينظر لمن الدائرة ليكون إليهم من المتحيزين، ثم يأتيهم وهو يقسم بالله جَهدَ أيمانه: إنّي كنتُ معكم وكنت أتمنى أن تكونوا أنتم الغالبين.
فحقيق بمن لنفسه عنده قَدْر وقيمة أن لا يبيعَها بأَخسِّ الأثمان، وأن لا يعرضها غدًا بين يدي الله ورسوله لمواقف الخزي والهوان، وأن يثبِّت قدمَه في صفوف أهل العلم والإيمان، وأن لا يتحيّزَ إلى مقالةٍ سوى ما جاء في السنّة والقرآن.
فكأنْ قد كُشِف الغِطَاء، وانجلى الغبار، وأبان عن وجوه أهل السنة مسفرة ضاحكة مستبشرة، وعن وجوه أهل البدعة عليها غَبَرة، ترهقها قَتَرة، يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه. قال ابن عباس ﵄: تبيضُّ وجوهُ أهل السنة والجماعة، وتسودُّ وجوهُ أهل البدعة والفرقة.
فوالله لَمُفَارَقةُ أهلِ الأهواءِ والبدع في هذه الدار أسهلُ مِن مرافقتهم إذا قيل: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ [الصافات: ٢٢]. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ وبعده الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم. وقد قال تعالى:
﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧)﴾ [التكوير: ٧]، فجُعِل صاحبُ الحق مع نظيره في درجته، وصاحبُ الباطل مع نظيره في
المتن / 11