وذكر بقائهم عند ابتداء ذكر كتاب أصول الشرائع التي هي مشروعة على الأناسي مناسبة ظاهرة.
ثم إن الله تعالى لما خلق هذا النَّسم على طبائع مختلفة، وأهواء متشتتة، وخلق متفاوتة، بخصائص ولوازم لا تدخل تحت الحصر والوهم، ولا تنضبط في الفهم، من موجبات الحكمة كان مبدعًا للبدائع.
فلذلك قال: (مبدع البدائع)، ثم لما جُبلت هذه البدائع التي هي الأناسي على طبائع متبائنة تهيجهم الشهوة وتزعجهم الغضبة على حسب مألوف طبعهم، ومن جراه يقع بينهم التجاذب، والتضاغن، والتقاتل بحيث يقع به الإفناء. كانوا محتاجين إلى الدين المانع من تلك المخالفة، والجامع على الألفة والموافقة. وهو شرع الشارع الشرائع، فقال: (وشارع الشرائع).
ثم ذكر الوصف الحميد للشرائع؛ لترغيب الطلبة في اكتساب المفاخر الدنيوية وإحراز السعادات العُقبوية، فقال: (دينا رضيًا، ونورًا مضيًا، وذكرًا للأنام، ومطية إلى دار السلام).
فإن قوله: (وذكرًا للأنام) أي وشرفًا، كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ أي شرفكم، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ أي لشرف لك.
1 / 146