94

فقه العبادات على المذهب الحنفي

فقه العبادات على المذهب الحنفي

Genre-genre

الفساد لغة: ضد الصلاح. شرعًا: وصف غير صحيح في العبادة والمفسدات مرادفة للمبطلات في العبادات، والفساد في العبادات يفيد البطلان وهو خروج العبادة عن كونها عبادة. أما الفساد في المعاملات فهو ما كان مشروعًا بأصله دون وصفه فيمكن تصحيحه. فالفاسد غير الباطل في المعاملات، وفي العبادات لا فرق بين الفاسد والباطل بل كل تجب إعادته، فإذا فسدت الصلاة وجب إعادتها في الوقت أو قضاؤها بعد الوقت. ومفسدات الصلاة هي: -١ - الكلام: وهو النطق بحرفين ولو لم يُفهما، أو بحرف واحد مفهم، سواء كان النطق سهوًا أو عمدًا أو خطأ، لما روي عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: (كنا نسلّم على رسول الله ﷺ وهو في الصلاة، فيردّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي، سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله! كنا نسلّم عليك في الصلاة فتردّ علينا. فقال: إن في الصلاة شُغلًا) (١)، وعنه أيضًا أن رسول الله ﷺ قال: (إن الله ﷿ يُحدث من أمره ما يشاء، وإنه قد أحدث من أمره أنه لا يُتكلم في الصلاة) (٢) . ويترتب على تحريم الكلام في الصلاة: أ - يفسد الصلاة الدعاء بما يشبه كلام الناس مما ليس في قرآن ولا سنة ويمكن طلبه من الناس، فعن معاوية بن الحكم السلّمي قال: قال رسول الله ﷺ: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) (٣) . ب - يفسد الصلاة السلام بنية التحية ولو سهوًا، لما روي عن جابر ﵁ قال: كنا مع النبي ﷺ. فبعثني في حاجة. فرجعت وهو يصلي على راحلته. ووجهه على غير القبلة. فسلّمت عليه فلم يردّ عليّ. فلما انصرف قال: (إنه لم يمنعني أن أردّ عليك إلا أني كنت أصلي) (٤) . أما لفظ السلام بغير نية التحية فلا يفسد الصلاة سهوًا، لأنه من جنسها، كما لو ظن أنه أتم الصلاة فسلم ثم تبين له أنه لم يتمها فلا فساد. وأما إذا سلم على رأس الركعتين من الرباعية ساهيًا ظانًا أنها الفجر أو أنه مسافر أو أن فرضه ركعتان فقد فسدت صلاته. جـ - يفسد الصلاة التنحنح والتأفيف (٥) والأنين إلا إذا كان خوف النار. د - يفسد الصلاة كل كلام كان ذكرًا إذا قصد به جواب سؤال كقوله: ﴿يا يحيى خذ الكتاب بقوة﴾ .

(١) مسلم: ج ١ / كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب ٧/٣٤. (٢) النسائي: ج ٣ / ص ١٩. (٣) مسلم: ج ١ / كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب ٧/٣٣. (٤) مسلم: ج ١ / كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب ٧/٣٨. (٥) التنحنح: تردُّد الصوت في الصدر، والتأفيف: أن يقول أف أو تف لنفخ التراب أو التضجر. وقيل أف اسم لوسخ الأظافر أو الأذن وتف اسم لوسخ البراجم.

-٢ - العمل الكثير المتوالي على أن لا يكون من نوع أعمال الصلاة كزيادة ركوع فإنه عمل كثير غير مفسد، ولا بقصد إصلاح الصلاة كالمشي للوضوء لسبق حدث فإنه لا يفسد. وقيد بعضهم الكثير بثلاث حركات متواليات. ولا يبطل الصلاة قتل السبع الفواسق لعموم أذاها (١) إذا كان بعمل قليل.

(١) ورد في السبعينات لأبي الليث السمرقندي: سبعة إذا رآها المصلي لا بأس بقتلها: الحية والعقرب والوزغة والزنبور والقراد والبرغوث والقمل، ولو بعمل كثير وانحراف عن القبلة. لكن هذا لا يعني عدم الفساد.

-٣ - تحويل الصدر عن القبلة إلا لمن سبقه حدث. -٤ - الأكل والشرب سواء كان ناسيًا أو عامدًا. ولو ابتلع شيئًا كان بين أسنانه فلا يفسد صلاته إلا إذا زاد عن مقدار الحمصة. -٥ - رؤية المتيمم الماء قبل التشهد توجب عليه إعادة الصلاة، وكذل سقوط الجبيرة عن برء أثناء الصلاة، وزوال عذر صاحب العذر قبل إتمام صلاته، وتمام مدة المسح على الخف أو نزعه قبل القعود الأخير قدر التشهد، ووجدان العاري ما يستر عورته، وقدرة العاجز على الركوع والسجود. -٦ - تذكر فائتة لذي الترتيب، لأن الأصل أن يصلي الفوائت بالترتيب إن كانت دون خمس صلوات، فإذا صارت ستًا سقط الترتيب. -٧ - طلوع الشمس أو زوالها أثناء الصلاة: فطلوع الشمس في صلاة الفجر، وزوالها في صلاة العيدين، ودخول وقت العصر في صلاة الجمعة، مفسد للصلاة. -٨ - انكشاف العورة قدر أداء ركن، أو وقوع نجاسة مانعة من صحة الصلاة، فإن دفعها بمجرد وقوعها ولم يبق لها أثر، أو ستر عورته بمجرد انكشافها، فلا يضر. -٩ - التكبير بنية الانتقال لصلاة أخرى غير التي هو فيها. -١٠ - الضحك مفسد للصلاة إن كان مسموعًا للمصلي، لما روي عن جابر ﵁ أن النبي ﷺ قال: (لا يقطع الصلاة الكشر ولكن يقطعها القهقهة) (١) . وإن قهقه فسمعه غيره فسد وضوؤه وصلاته معًا، لما روي عن أبي موسى ﵁ قال: (بينما رسول الله ﷺ يصلي إذ دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد، وكان بصره ضرر، فضحك كثير من القوم وهم في الصلاة. فأمر رسول الله ﷺ من ضحك أن يعيد الوضوء ويعيد الصلاة) (٢) .

(١) مجمع الزوائد: ج ١ / ص ٨٢. (٢) مجمع الزوائد: ج ١ / ص ٨٢.

-١١ - محاذاة الرجل المكلف المرأة المشتهاة (أي لا يشترط البلوغ)، ولو كانت زوجته أو من محارمه، في الصلاة بشروط: أ - أن تكون الصلاة مشتركة بإمام واحد، وأن يكون الإمام نوى إمامة النساء، وأن تنوي المرأة الاقتداء به. ولو حاذته بعد تسليم الإمام في أداء ما سبقت به فلا تبطل. ب - اتحاد المكان، فلو حاذته وهي في مكان مرتفع لا تبطل صلاتهما. جـ - أن تكون مدَّة المحاذاة قدر أداء ركن فأكثر. د - أن تكون المحاذاة بدون حائل بينهما. والحائل أقله فراغ يسع رجلًا. هـ - أن لا يشير إليها بالابتعاد عنه، فلو أشار لها ولم تبتعد بطلت صلاتها دون صلاته. -١٢ - القراءة من المصحف أو أي كتاب سواء كان المقروء قليلًا أو كثيرًا. أما لو نظر إلى المكتوب وفهمه دون أن يتلو منه فلا تفسد صلاته بل يسيء الأدب. -١٣ - اللحن في قراءة القرآن، إذا غيَّر المعنى تغييرًا فاحشًا، أما إذا لم يتغير المعنى فلا تفسد عند الإمام. وتفسد عند الإمام أبي يوسف إذا لم يكن للفظ المغيّر نظير في القرآن. وكل ذلك حكم زلة القارئ أي الذي أخطأ، أما المتعمد فأقل أمره فساد صلاته إذ يخشى عليه الكفر. ويلحق بذلك الخطأ في الإعراب فلا تفسد به الصلاة مطلقًا، إلا إذا تغير المعنى فتفسد عند الإمام وصاحبه. ولا تفسد عند أبي يوسف وقوله هو المفتى به، مثل قوله: "وإذا ابتلى إبراهيمُ ربَه". ومنه أيضًا تخفيف التشديد إذ لا يفسد الصلاة، والوقف والابتداء في غير موضعهما، وكذا إذا وقف عند بعض الحروف ثم غيَّر السورة بسبب النسيان فلا تفسد. -١٤ - الفتح (١) على غير إمامه، أي أن يرد غير إمامه في قراءة القرآن ولا بأس من أن يرد إمامه لقول علي ﵁: "إذا استطعمك الإمام فأطعمه"، أي إذا استفتحك فافتح عليه. ويكره للمقتدي أن يعجل بالفتح، لأن الإمام قد يتذكر وحده.

(١) الفتح: هو ردّ المقتدي إمامه في قراءة القرآن أثناء الصلاة.

-١٥ - استخلاف من لا يصلح إمامًا كأميّ أو معذور. -١٦ - مد الهمزة في قوله: "الله أكبر" أو مد باء "أكبر". -١٧ - سبق المقتدي لإمامه بركن لم يشاركه فيه، كما لو ركع ورفع رأسه بعد الركوع قبل الإمام ثم لم يعده معه. -١٨ - عدم إعادة الجلوس الأخير بعد أداء سجدة صلبية أو سجدة تلاوة تذكرها بعد الجلوس، لأن الجلوس الأخير لا يعتد به إلا بعد تمام الأركان. -١٩ - متابعة الإمام في سجود السهو للمسبوق بعد أن يتأكد انفراده، بأن قام بعد سلام الإمام أو قبله بعد قعوده قدر التشهد، وقيد ركعته بسجدة، ثم تذكر الإمام سجود سهو عليه فتابعه المأموم فسدت صلاته، لأنه اقتدى بعد أن أصبح منفردًا. -٢٠ - عدم إعادة ركن أداه نائمًا، لأنه يشترط أداء الأركان مستيقظًا. -٢١ - التسليم عمدًا على رأس ركعتين في غير الصلاة النائية، أما سهوًا فلا يفسد، لأنه في العمد خروج من الصلاة قبل تمامها فيفسدها. ولو سلم على رأس ركعتين ظانًا أنه مسافر فسدت صلاته. -٢٢ - تفسد صلاة من سبقه حدث بالأمور التالية: أ - ظهور عورة ولو اضطر إليه. ب - قراءته أثناء ذهابه وعودته للوضوء. جـ - مكثه بلا سبب قدر أداء ركن بعد سبق الحدث له مستيقظًا بلا عذر، فلو مكث لزحام أو لانقطاع رعافه فإنه يبني. د - مجاوزته ماء قريبًا بأكثر من صفين. والأصل في ذلك: أن من سبقه الحدث يذهب فيعيد الوضوء، ثم يبني على صلاته على أن لا يقع في المحظورات السابقة. والأفضل أن يعيد الصلاة للخروج من خلاف بقية المذاهب. -٢٣ - خروجه من المسجد بظن الحدث ولم يكن محدثًا حقًا لوجود المنافي وهو المشي بغير عذر. -٢٤ - مجاوزته الصفوف أو سترته في غير المسجد، وإن يكن أمامه صف أو صلى منفردًا وليس بين يديه سترة اغتفر له قدر موضع سجوده من كل جانب، فإن تجاوز ذلك بظنه الحدث ولم يكن أحدث كما إذا أنزل من أنفه ماء فظنه دمًا فسدت صلاته. -٢٥ - انصراف المصلي عن مكانه ظانًا أنه غير متوضئ، ولو تذكر أنه متوضئ ولم يخرج من المسجد ونحوه، لانصرافه بقصد ترك الصلاة.

1 / 94