ومضى وحده، وأصبح في باب الوزير وقال في سره: يا سلام على العظمة! تقف عند باب الوزير وتقول فين أبو دومة؟ تقولشي ابن طولون، طب فين أبو دومة، هو معقول حد يعرفه؟
وكان الميدان الضيق قد خفت فيه حركة الناس، لا يبقيه ساهرا إلا القهاوي التي تحده من كل الجهات، والناس القليلون الماشون قد كورهم البرد على أنفسهم ومضوا يتدحرجون في صمت شتوي حزين إلى مضاجعهم.
وحمزة له خبرة في السؤال لا تجارى من كثرة ما سأل عن ناس وأشخاص، ولهذا جاب الميدان كله قبل أن تختار عيناه «جرسون» قهوة أنوارها قليلة وتقع في طرف الميدان، وبعد مساء الخير والذي منه سأله عن اسماعين أبو دومة، وهز الراجل رأسه وكأنه ينفي عن نفسه تهمة، وسأل ثانيا وثالثا ورابعا، ولا أحد عمره سمع عن اسم كهذا، وكانت الناس وهو يسألها تنظر إليه باستغراب؛ لهذا كان من الواجب إنهاء كل شيء ومغادرة الحي قبل فوات الأوان.
وكاد حمزة ييأس لولا أنه رأى رجلا جالسا على أحد القهاوي، وأحس من منظره أنه ممكن جدا أن يكون حانوتيا، وذهب إليه مباشرة وسأله، وأنزل الرجل ساقه التي كانت موضوعة فوق الأخرى ونفى وتأسف، ولكن يبدو أن أحد الجالسين بجواره كان قد استمع للسؤال، إذ بعدما استدار حمزة نادى عليه وقال: حضرتك عايز اسماعين أبو دومة مين؟ مش بتاع الجبانة؟ - أيوه تمام. - آه، دا بيقعد عند بتاع عصير القصب قريب هنهه، تمشي من هنا كده على طول لغاية عامود النور اللي هناك دهه، الدكان على إيدك اليمين على طول.
ومشى حمزة حسب الوصف وانتعاشة أمل تشجعه، ولم يكن في كلام الرجل أية مبالغة؛ فقد وجده حمزة هناك جالسا على دكة خارج الدكان بنفس جلبابه الصوف البني وعمامته وشاربه المشوش الذي يلتوي عند طرفيه، فيبدو كقرني ثور. - السلام عليكم. - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قالها الرجل وهو يمد فمه إلى «غابة جوزة» كان آخر يمسكها.
وانتظر حمزة حتى شد أبو دومة ما طاب له الشد في نفس واحد، وسأله وهو يغالب ابتسامة كان يريد إيقاف تنفيذها: ما تعرفشي والله سيد اللي بيشتغل في الجبانة فين؟
وكان أبو دومة في هذه الأثناء يخرج دخان النفس، أخرج ملء مدخنة من فمه، ثم انتظر قليلا وأخرج من أنفه ماسورتين رفيعتين كثيفتين لون دخانهما كلون البخار، حتى خيل لحمزة أنه سيصفر بعد هذا ويتحرك.
وقال أبو دومة في أدب ولا تزال سحابة الدخان قائمة، ولا تزال بقايا الدخان تخرج مع الكلمات: سيد مين؟ ما هو لا مؤاخذة في دي الكلمة فيه سيدين: سيد شطا وسيد محمد إبراهيم، الله! حمدالله على السلامة يا بيه، يا ألف مرحب، أصل لا مؤاخذة ماتآخذنيش، الدنيا ليل والعتب ع النظر، يا ألف مرحب ! ده نور ايه ده؟ حمدالله على السلامة.
وكان قد قام واقفا وسلم على حمزة وشد على يده، وأكمل ولا تزال يده في يد حمزة: والله يا بيه إن جنابك ابن حلال، أنا كنت لسه في سيرتك من شوية، ألف حمدالله على السلامة.
Halaman tidak diketahui