وجاء التاكسي.
وحمل حمزة الحقيبة برفق شديد ووضعها إلى جواره وقال لسيد: شد حيلك.
فقال سيد: شدوا حيلكوا انتوا.
وقبل أن تنطلق العربة وقف أبو دومة وأشار لحمزة مودعا: مع السلامة يا بيه، أيها خدمة، بس عند باب الوزير تقول عمي سماعين أبو دومة فين؟ ألف من يدلك، مع السلامة، كل أسمنت وانت طيب!
ولم يسمع حمزة الجملة الأخيرة.
7
حين استقر مرة أخرى في شقة بدير جلس على الفوتيل ووضع الحقيبة بجواره على السجادة، وراح يفكر في تفاصيل ما حدث منذ أن غادر ترب باب الوزير قاصدا العباسية حيث يقطن صديقه السيد محمد رشدي، كان وهو يصعد بالحقيبة إليه ليطلب منه أن يبقيها عنده يكاد يجزم بما حدث ويكاد يخمن الارتباك العظيم الذي انتاب رشدي وخروجه ودخوله أودة الجلوس عدة مرات، وصوت امرأته حين علا، والابتسامة الحزينة الخجلة التي ظلت طول الوقت لا تغادر وجهه والكلمات ترتج عليه محاولا أن يعتذر بالأولاد والحالة الصعبة، قائلا آخر الأمر: إنه لا يستطيع أن يخفي أي شيء.
كان حمزة حائرا، هل يحقد على رشدي أم يرثى له؟ ويكاد يكون لدى البعض رغبات خفية تراودهم أحيانا أن يضبطوا غيرهم متلبسا بلحظة ضعف، ليروي الواحد منهم نفسه بالتشفي به وإذلاله وإثبات قوته هو وجبروته وصلابته، غير أن رغبات مثل تلك لا تراود إلا الضعفاء، وكان حمزة أبعد عن أن يفكر في التشفي أو تحقير صديقه لموقفه ذاك؛ فقد كان يعلم أن لكل إنسان قدرة محدودة على المضي في الطريق، وأن على الذين في استطاعتهم مواصلة المسير أن يرثوا للمتخلفين وألا يفقدوا فيهم الأمل.
ولكن مشكلة الحقيقة كانت لا تزال قائمة، وبدير لن يسمح أبدا أن تمكث في شقته ثانية، بل لو علم لما أبقاه هو، وعليه أن يودعها في مكان أمين، وأين المكان الأمين في ظروف كتلك؟
ودار المفتاح في قفل الباب.
Halaman tidak diketahui