إننا إذن أمام قصيدة عربية جديدة تنقل الصور الأساسية والمفارقة، بل والصور الثانوية، في النص الأصلي في بناء شعري مستقل يعتمد على مصطلح اللغة العربية؛ فالترجمة لا تقول «ليس لديها الآن حركة ولا قوة » فهذا ركيك، ولا تقول «إنها الآن لا تسمع ولا تبصر» خشية الإيحاء بالدلالة الدينية المعروفة
إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر [مريم: 42)]،
قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى [طه: 46]،
لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير [الملك: 10]، والله هو السميع البصير. ولذلك فإن الترجمة تحاشت هذه الدلالة التي تضرب بجذورها في أعماق اللغة العربية، واختارت مصطلحا ينقل المعنى دون أن يلقي بظلال لا داعي لها على الصورة.
ولكن أهم ما تتسم به الترجمة المقابلة في نظري هو الموازنة في البحر المستخدم. فالبيت الأول من أربع تفعيلات، وإن كان يختلف عن بحر البسيط التقليدي في أنه يوازي بين مستفعلن ومتفاعلن (أي بين تفعيلة الرجز وتفعيلة الكامل)، وكذلك البيت الثالث. أما البيتان الثاني والرابع فهما يلتزمان بتفعيلة الرجز المزاحفة (متفعلن). وكذلك الشأن في الفقرة الثانية التي تحافظ على التوازي بين الشطور رغم هذه الحرية في فهم الخلاف والاتفاق بين الرجز والكامل (انظر كتاب «مدخل رياضي إلى العروض العربي» للدكتور أحمد مستجير، القاهرة، 1986م).
وينطبق هذا على سائر ألوان الشعر الغنائي؛ إذ أحيانا ما يضطر المترجم إلى ما درجنا على تسميته ب «التصرف»، أي مقابلة كل بيت ببيتين، أو كل بيتين بثلاثة، أو كل ثلاثة بأربعة أو خمسة، وهلم جرا، حتى يخرج الإيقاع الشعري المقابل. ولا أقصد بالإيقاع هنا «البحر» المحدد الذي يستخدمه الشاعر، بل الموسيقى الداخلية والخارجية جميعا، وهو هنا - كما قلت من قبل - إيقاع اللغة العربية لا الإنجليزية ولا إيقاع أي من اللغات المنقول منها. وسوف أورد هنا عدة نماذج لترجمة قصيدة واحدة، هي السونيت رقم 18 للشاعر وليم شيكسبير. وهذا هو النص الإنجليزي أولا:
Shall I compare thee to a summer's day?
Thou art more lovely and more temperate!
Rough winds do shake the darling buds of May,
And summer's lease hath all too short a date. •••
Halaman tidak diketahui