Usaha Teater Qabbani di Mesir
جهود القباني المسرحية في مصر
Genre-genre
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام، أن توثيق نشاط القباني المسرحي بهذا الأسلوب سبقني إليه المركز القومي للمسرح والموسيقى في مصر؛ حيث أصدر عدة كتب توثيقية تراثية عن أخبار المسرح في مصر، نشر فيها عن نشاط القباني المسرحي ما يعادل 10٪ من المعلومات التوثيقية التي جمعتها في هذا الكتاب، كما أود الإشارة إلى أن ما جمعته من أخبار توثيقية من الصعب الرجوع إليها في أصلها المنشور في الصحف المصرية بقسم الدوريات بدار الكتاب المصرية؛ لأن هذا الجمع قمت به منذ عام 1996م في أثناء عملي في كتابي «تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر»، وعندما عدت إلى هذه الصحف - منذ وقت قريب - لإكمال توثيق نشاط القباني فجعت بأن معظم الصحف أصبحت مفقودة، والقليل منها غير صالح للاطلاع عليه؛ لتآكله وتهالكه؛ مما يعني أن الجانب التوثيقي في هذا الكتاب يمثل إنقاذا لتاريخ نشاط القباني المسرحي في مصر!
أما القسم الثالث من هذا الكتاب فهو الأكبر حجما؛ لأنه يشتمل على نصوص القباني المسرحية المطبوعة في مصر، وهي نصوص مختلفة الشكل، متفقة النص، بالمقارنة بنصوص مسرحيات القباني التي نشرها الدكتور محمد يوسف نجم - في بيروت - عام 1963م. وتمثل اختلاف الشكل في أنها منشورة في هذا الكتاب بصورتها التراثية الأصيلة التي ظهرت به ابتداء من عام 1900م. ولندرة هذه النصوص قمت بتصويرها إلكترونيا بواسطة الحاسوب، ثم قمت - إلكترونيا بواسطة الحاسوب أيضا - بتنظيف آثار أكثر من مائة سنة أحاطت صفحاتها وسطورها وكلماتها بسواد شديد، فخرجت صفحاتها ناصعة البياض كسيرة صاحبها القباني. •••
كلمة أخيرة أوجهها إلى الدارسين الباحثين ممن يرغبون في الكتابة عن حياة القباني ومسرحه فيما بعد، أقول لهم: إذا كان كتابي هذا قد تطرق إلى جهود القباني المسرحية في مصر؛ فإن جهودا مسرحية للقباني في سورية ما زالت مجهولة، والمعروف عن هذه الجهود حتى الآن يحتاج إلى تدقيق توثيقي، وتحليل نقدي. والأمل معقود عليهم في اكتشاف المجهول وتهذيب المعروف!
فمن غير المعقول أن نقرأ في الكتابات المنشورة عن القباني - بوصفه الرائد المسرحي السوري الأول - ستة تواريخ لميلاده، وتاريخين لوفاته! أو نقرأ لأحد الباحثين عن موهبته المسرحية أنها بدأت عندما شاهد عرضا لفرقة فرنسية في مدرسة العزارية، وعند باحث آخر أنه شاهد عدة مسرحيات مدرسية، وعند باحث ثالث أنه شاهد مسرحيات مارون النقاش، وعند رابع أنه شاهد مسرحية «إسكندر المقدوني» للشيخ إبراهيم الأحدب، وعند خامس أنه شاهد عروضا لخيال الظل!
حتى إن بداية نشاطه المسرحي في سورية اختلف حولها الباحثون؛ فقد وجدنا خمسة تواريخ لهذه البداية: أولها عام 1865م، وآخرها عام 1878م، وهذا الاختلاف لم تسلم منه مسرحيته الأولى في سورية؛ فمنهم من قال إنها «ناكر الجميل»، والثاني يقول إنها «الشاه محمود»، والثالث يزعم أنها «الشيخ وضاح»، والأخير يؤكد أنها «عائدة»!
وهذه الاختلافات حول هذا الرائد المسرحي الفذ طالت أيضا سبب منعه من التمثيل في سورية، فبعض الباحثين أكدوا أن سبب المنع صدور فرمان سلطاني بذلك، والبعض الآخر يقول: إن الوالي العثماني في دمشق هو صاحب هذا الأمر! ووصل اختلاف الباحثين إلى مداه عندما اختلفوا حول سبب قدومه إلى مصر. فأحدهم يقول: إن سعد الله حلابو هو الذي شجعه على القدوم، والثاني يقول: إن هذا التشجيع تلقاه من المطرب عبده الحمولي، ثم يقول الثالث: إن القباني كان مسافرا إلى معرض شيكاغو، فرست الباخرة في الإسكندرية فمكث بها.
هذه الاختلافات الجوهرية في حياة القباني ونشاطه المسرحي في سورية لا تليق بهذا الرائد المسرحي السوري الأول، وتفرض على الباحثين - في سورية الشقيقة أولا - واجبا قوميا وأدبيا وفنيا؛ حتى يستقيم تاريخ هذا الرائد، لا سيما أن مفاتيح بحثية ظهرت في هذا الكتاب يمكن الاسترشاد بها، وعدها بداية للبحث والتنقيب.
منها على سبيل المثال: بداية النشاط المسرحي في الإسكندرية؛ حيث عرض في الأسبوع الأول ست مسرحيات لاقت نجاحا كبيرا في هذا النشاط - بهذا الزخم الفني - يثبت أن القباني كان مستعدا استعدادا كبيرا في سورية، قبل قدومه إلى الإسكندرية! فأين استعد القباني بهذا الشكل الفني؟ وأين أقام تدريباته؟ وكيف جمع أعضاء فرقته؟ وهو ممنوع من التمثيل في سورية؟! ألا يثير هذا السؤال احتمالا يقول: إن أياما معدودة كانت فاصلة بين منع القباني من التمثيل في سورية وقدومه إلى مصر، وأن فرقته - الممنوع تمثيلها - في سورية هي نفسها الفرقة التي جاءت إلى مصر عام 1884م، وأن المسرحيات الست التي عرضت في الأسبوع الأول في مصر هي آخر مسرحيات عرضتها فرقته في سورية.
مثال آخر يتعلق بأسلوب اتبعه القباني طوال نشاطه المسرحي في مصر، وهو تجديد فرقته بصورة مستمرة كلما زار سورية ومكث بها بعض الوقت، وهذا التجديد تحدد في وجود ممثلين جدد من الجنسين، والسؤال الذي يطرح نفسه: من أين للقباني بممثلين محترفين سوريين على الرغم من منع التمثيل في سورية؟! وإذا كان الممثلون مبتدئين أو هواة، فأين كان يدربهم أو يعلمهم في سورية الممنوع فيها التمثيل؟! وهذا السؤال يدفعنا للقول باحتمال أن القباني كان يمارس النشاط المسرحي في سورية كلما زارها، خصوصا وأن فترات زياراته هذه وصلت إلى سنتين تارة وأربع سنوات تارة أخرى! فهل يعقل أن القباني بوصفه رائدا مسرحيا يظل في سورية هذه السنوات من غير ممارسة التمثيل؟!
مثال أخير: كتب خير الدين الزركلي في كتابه «الأعلام» ترجمة للقباني، أشار فيها إلى أن القباني كتب مذكراته قبل وفاته، وهي مذكرات مخطوطة! وفي هامش الترجمة قال: «استفدت مادة الترجمة من زهير القباني.» والسؤال الآن: أين هذه المخطوطات؟ وماذا كان مصيرها؟! وليتخيل معي القارئ قيمة هذه المخطوطات إذا ظهرت! من المؤكد أننا سنجد فيها حقائق تاريخية لم نكتبها، وشهادات فنية لم نعلمها، ونصوصا أدبية لم نقرأها، وحياة مسرحية لم نعشها، وأسرارا خفية لم نعرفها، وخواطر فنان لم نعهدها، وألحانا لم نتذوقها، وأغاني لم نسمعها ... إنها مذكرات نتمنى رؤيتها! (والله ولي التوفيق)
Halaman tidak diketahui