بدون وسائل المواصلات لتبادل الفائض الإنتاجي، لا يمكننا أن نتوقع من أشكال الاقتصاد سوى إنتاج الإعاشة المباشرة فقط.
J. E. Spencer & W. L. Thomas “Cultural Geography” Willey, New York 1969 .
الفصل الأول
أسباب النقل وتطوره
(1) مسببات النقل
لماذا يحتاج الإنسان إلى النقل؟ هذا السؤال العريض قد يحتاج إلى شرح يتسم ببعض الطول، وإن كانت الإجابة عنه في اختصار شديد هي أن الإنسان، وعالم الحيوان عامة، يتصف بصفة أساسية هي الحركة المستمرة؛ ليس فقط سعيا وراء الغذاء، بل لأن الحركة جزء أساسي من تكوينه البيولوجي أيضا؛ فالأطراف للحيوان والأرجل للإنسان أجزاء عضوية حية تتطلب الحركة آليا - وما دامت الحياة تسري في العروق والشرايين - إلا إذا أصيب الكائن الحي بمرض يقعده عن الحركة.
والحركة المستمرة عند الإنسان قد أصبحت لها دوافع اقتصادية جوهرية بحكم الرغبة في الحصول على الغذاء في كل مراحل البشرية الحضارية، ومع التقدم الحضاري لم تعد هناك دوافع اقتصادية مباشرة في تحركات كل فرد، وإن كانت هذه الدوافع الاقتصادية تهيمن على خلفية الحركة بحكم انتماء الفرد لمجموعة بشرية تتحرك من أجل أرض أحسن أو أوسع. وبعبارة أخرى: إن حركة القوات المتحاربة، رغم أنها قد لا تكون في حد ذاتها بدافع الحصول على مزيد من الغذاء للمحاربين، فإنها تخضع لخطة معينة في التوسع من أجل مزيد من المكاسب الاقتصادية لصالح القبيلة أو العشيرة أو الدولة.
وهناك أيضا حركة قد تبدو بعيدة تماما عن الحركة الاقتصادية، مثل التحرك نحو مكان له قدسية خاصة في صورة الحج، أو التحرك لمجرد الترويح والنزهة واستكشاف ما يجهله الفرد من أماكن جغرافية أو خلوية، ولكن هذه الحركة في مجموع نتائجها أصبحت تكون نشاطا اقتصاديا لعدد آخر من الناس يكونون دائما في نهاية مثل هذه الطرق؛ يستقبلون هؤلاء الزائرين ويقدمون لهم الخدمات اللازمة من مأوى ومأكل وملهى.
ومجرد الحركة في حد ذاتها - وعلى الأخص بعد تكاثف خطوطها في حضارة العصر الصناعي - قد أصبحت نشاطا اقتصاديا يشغل وقت المتخصصين في صناعة وسائط النقل المختلفة من البدائية إلى الحديثة.
وقصارى القول أن الحركة عند الإنسان - فردا أو جماعات، سلعا أو أخبارا - يسيطر عليها دافع اقتصادي أصيل، سواء عند الفرد أو الجماعة المتحركة، أو عند الجماعة المستقبلة لهذه الحركة، وبالرغم من هذا فإنه بالإمكان أن نفصل مسببات الحركة إلى أسباب منفصلة؛ لكي يمكن دراستها وتحديد نوع الحركة، مع الأخذ في الاعتبار بما سبق ذكره من ترابط هذه الأسباب المنفصلة ترابطا حيا داخل الإطار الاقتصادي.
Halaman tidak diketahui