Akar Falsafah Strukturalisme
الجذور الفلسفية للبنائية
Genre-genre
15
ويبدو أن كل عصر يشهد فصلا من فصول هذا الصراع الذي لا ينتهي بين أنصار الفكر العيني المعايش للحياة وأنصار الفكر التجريدي الذي يسعى دواما إلى الشمول.
ولقد كان من نتيجة هذا الصراع بين النزعة التجريدية عند ستروس، والنزعة العينية عند سارتر، أنهما تبادلا الاتهامات في ميدان آخر، هو ميدان التاريخ، الذي كان سارتر يتأمله في حركته وديناميكيته وصيرورته الدائمة، على حين كان ستروس يجمده؛ لكي يدرس نماذجه بطريقة سكونية؛ فقد عاب سارتر على ستروس أن فلسفته تتهرب من الواقع الحي لكي تغرق نفسها في تجريدات شكلية تنصب على حضارات بدائية يصفها ستروس نفسه بأنها «خارج التاريخ». ومن ثم فإنها تعجز عن الانتقال من ذلك الميدان الذي كان فيه التاريخ متوقفا أو مجمدا، إن جاز هذا التعبير، إلى مجال التاريخ الحاضر في تدفقه نحو المستقبل . ومن المؤكد أن ستروس عاجز عن تطبيق أية نتيجة يتوصل إليها في مجال بحثه، على الإنسان المعاصر، بالرغم من كل ما بذله من جهود لتأكيد وجود تشابهات أساسية في «الطبيعة البشرية» بمعناها العام، وبغض النظر عن موقعها من التاريخ.
على أن ستروس يرد على هذا الاتهام بأن الوجودية، وخاصة عند سارتر، هي التي تمركزت حول الحاضر، واتجهت صوب المستقبل أكثر مما ينبغي. صحيح أنها تمجد التاريخ وتؤكد تدفقه وصيرورته، ولكنها في نظرتها إلى التاريخ تفهم الماضي من خلال مقولات الحاضر فحسب، ولا تعطي هذا الماضي حقه، بل لا تعترف للآخرين بالحق في دراسة هذا الماضي لذاته. وإنه لمن الطبيعي للمذهب الذي يرتكز على مقولات الذاتية، وعلى تحليل الإنسان في موقفه العيني وفي «مشروعه» الحي، أن يكون متمركزا حول الذات، وحول الحاضر، وأن يكون التاريخ الماضي في نظره هو ما يؤدي إلى هذا الحاضر، والمستقبل هو ما ينبثق عنه. على أن النتيجة التي ترتبت على هذا هي أن سارتر قد تجاهل العقلية البدائية، وبدا كما لو كان يساير الرأي القائل بأن البدائيين عاجزون عن التحليل العقلي والبرهان المنطقي، وهو استنتاج غير مستغرب عند فيلسوف يتخذ من الذات، في موقع تاريخي معين، مركزا يدور حوله كل تفكيره. وإذا كانت الوجودية تتهم البنائية بأنها تتطلع إلى الماضي المتجمد خوفا من مواجهة الحاضر والمستقبل وتهربا من مسئولية اتخاذ موقف منهما؛ فإن البنائية تعود، من جانبها، فتتهم الوجودية بأنها تغمض عينيها عن شكل أساسي من أشكال التجربة البشرية، هي تلك النظم والطقوس والأساطير التي عاشت بها الإنسانية البدائية، وتتصور أن السعي من أجل مستقبل أفضل يتحرر فيه الإنسان من شتى أنواع العبودية، معناه تجاهل البناءات الاجتماعية والفكرية للإنسان في صورتها النقية الأولى، أو أن الهدف الأول يتعارض مع الثاني، مع أنه لا تعارض بين الاثنين على الإطلاق.
وهكذا فإن البنائية والوجودية، ممثلتين في ستروس وسارتر، تتبادلان الاتهامات بصورة يبدو معها كأن المذهبين يقفان على طرفي نقيض، وكأنه لا سبيل على الإطلاق إلى إيجاد أية وسيلة للتقريب بينهما. ومن المسلم به أن المسافة بين هذين المذهبين كبيرة إلى أبعد حد، وإن بينهما اختلافا أساسيا في منهج التفكير ووسائله وأهدافه. ومع ذلك فربما كان من الممكن، بشيء من الجهد، أن يتلمس المرء بعض النقاط التي يتلاقى فيها المذهبان، أو على الأقل، بعض أوجه الشبه غير المباشرة، وربما غير المقصودة، بينهما.
ولنلاحظ أولا، فيما يتعلق بستروس وسارتر على وجه التحديد، أن كلا منهما قد اتصل بالماركسية خلال فترة معينة من حياته؛ ستروس في أولها وسارتر في آخرها. فقد اعترف ستروس في سيرته الذاتية بأنه كان في شبابه ماركسيا. أما سارتر فإن قصة التقائه المتأخر بالماركسية معروفة للجميع. ومن هنا كانت كتابات كل منهما تلجأ، بدرجات متفاوتة، إلى المصطلحات الماركسية، على الرغم من أنهما استخدما هذه المصطلحات بمعان متباينة. وعلى أية حال فإن من القرائن غير المباشرة على أن التضاد بين البنائية والوجودية ليس بالحدة التي يصور بها عادة: أن ستروس، برغم خلافه الشديد مع سارتر، وقد أهدى كتاب «التفكير غير المتحضر
La Pensée sauvage » إلى ذكرى «ميرلو بونتي» الذي كان أقرب إلى الوجودية بكثير منه إلى البنائية.
16
على أننا نستطيع أن نجد نواحي أخرى يتشابه فيها المذهبان دون وعي منهما بهذا التشابه. وأهم هذه النواحي، رأي ستروس في الطبيعة والثقافة، الذي نجد فيه ما يذكرنا برأي سارتر في الوجود والماهية. فمنذ كتاب «البناءات الأولية لنظام القرابة
Les Structures élémentaires de la parenté
Halaman tidak diketahui