Judad Wa Qudama
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Genre-genre
قلت إنه جاء بالراهب في آخر الرواية ليحضر الدفن ويجنز ويأخذ «الجزو»، أما في أول القصة فسخره فرح ليشجب الحياة الرهبانية بلسان أحد أفرادها، ولا يفل الحديد إلا الحديد ولا يقطع الشجرة إلا فرع منها كما يقول المثل اللبناني.
ذم فرح بلسان الراهب حياة الكسل التي يعيشها الرهبان، ودفع الشابين إلى المهاجرة والكسب، أما هذا الاسم الغريب الثقيل ظلانور فيلوح لي أن المؤلف نحته من ظل ونور، وعندي أن وجود هذا المحترم فضولي في القصة كما هو في غيرها.
في الرواية شخصيتان بارزتان؛ فريد مدبر العرائس: فهو طيب الحديث لولا فصاحته وبلاغته، ولولا أنه أفلت من شق قلم فرح نحويا يلوك لسانه، والخواجة حنا: الذي يمثل اللبناني المهاجر أصدق تمثيل، فهو جبلي كما كان قبل الهجرة، لم يتظرف ولم يتكلف مضغ الكلام، فحواره وتفكيره وحركته ومشيته لبنانية محض، لم ينس شيئا من آثار محيطه الذي عاش فيه ونشأ، فدخوله على المدعوين في بيت عديله، وسلامه عليهم وسؤاله حالا: أين مريمنا؟ ثم صراحته الصارخة، كل هذا يدلك على أن الرجل لبناني عتيق، لا يروقه حتى التلفظ باسم ماري، فلولا الخواجة حنا وفريد لكانت رواية فرح هذه تصلح لكل محيط، لا يدلك شيء على أن أشخاصها من اللبنانيين المهاجرين إلى أميركا، فماري وأمها وأبوها متأمركون، وكذلك فدوكي وأمها.
يفهم فرح الفن القصصي فهما صحيحا، والدليل على ذلك لباقته في المأزق الحرج فإنه يحسن الفرار، أراد أن تتمثل فتاة ببيت للمتنبي فقال: «ولو كانت تعلم الفتاة هذا البيت:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بد
لرددته.»
يشبه عمل فرح هذا ما فعله الشدياق في مقدمة فارياقه العجيب؛ إذ قال معتذرا عن حديث امرأته فيه: «فإن قيل إنه - أي الشدياق - قد نقل عنها ألفاظا غريبة غير مشهورة، لا في التخاطب ولا في الكتب، فلا يمكن أن تكون نطقت بها - أي الفارياقية - قلت: إن النقل لا يلزم هنا أن يكون بحروفه وإنما المدار على المعنى.» (5) الدين والعلم والمال
فرح أنطون كاتب اشتراكي محموم، حرارته دائما فوق الأربعين، والميكروب إذا افتتح بلدا كان أقوى وأفتك، كان فرح من هذه المبادئ التي تشغل الدنيا في هم مقيم، وتلك مزية المصلحين الذين يحملون البشرية على ظهورهم، عرف هذه المبادئ في الكتب فصح فيه قول الشاعر: والأذن تعشق قبل العين أحيانا، جاشت نفسه وفارت كالقدر، ولو لم ينفس عنه القلم لانشق، كان جو الشرق كالقطب الشمالي فصيرته أنفاس فرح صالحا للاستيطان، وأشرقت شمس المعرفة فأوت الوطاويط إلى خرائبها تنتظر الغروب كالأجير، ولكنه لن يأتي، وما هذه الغيوم المعترضة إلا سحب صيف ستكنسها ريح الشمال.
رأى فرح أن تكون القصة معرضا لآرائه الهدامة، فنحا نحو قصصيي أوروبا الاجتماعيين الذين أحبهم، أما «الدين والعلم والمال» فليست قصة مبنية على الطراز الفني، ولكنها قضية عظمى ألبسها فرح ثوب القصة، فتنكرت فيه كما يتنكرون في السهرات، يدور موضوعها حول الربين: الله والمال، وليس فرح ممن يعبدون الأخير، ولا ممن يتكلون على الأول اتكالا مشينا للعقل، شالا للفكر.
Halaman tidak diketahui