Judad Wa Qudama
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Genre-genre
تدل مسرحيات سعيد تقي الدين على عين لاقطة كعدسة المصور، ولا عجب إذا ظهرت أبطاله بهذا الوضوح فهو قد تأملهم كثيرا، وربما أن بينهم من حمله مرضعا وماشاه صبيا، وهو لم ينقطع عنهم إلا حين شعر بأرستقراطيته.
إنه يعول كثيرا على استحسان الجماهير وضحكهم وتصفيقهم، ومن كان كذلك عليه أن يفتش عن مثل ما يفتش عليه سعيد، ومن هنا جاءت حملات سعيد الغواشم على الناقد حتى عده طفيليا يعيش على الهامش، يجد موضوعه جاهزا فيتهالك عليه كجوعان لم ير الخبز منذ أسبوع لخمس وعطشان.
إن ضحك الجماهير وتصفيق النظارة هو عند سعيد الفوز الأعظم، أما الخاصة ففي فمهم التراب وليقولوا ما شاءوا، أما صفق الجمهور وضحك، ولهذا يتعمد العبارة الطريفة والنكتة البارعة.
أما قال سعيد للمخرج: ازرع بين النظارة من يصفقون، وهل في الدنيا كاتب غير سعيد يصرح بهذا، وإن كان الفن الدرامي هو في إثارة الضحك وإشاعة الاستحسان، فالخراج الاصطناعي لا يعمله إلا نطس الأطباء.
أما إنشاء سعيد فهو معمول في مسرحياته ليحكى لا ليقرأ، وسنعود إلى هذا في الكلام التفصيلي على مسرحياته وقصصه.
يحاول سعيد أن يقول الحقيقة دائما، ولو كانت تمس أقرب الناس إليه بل ذاته، وهو دائما يخرج من هزله حقيقة عملا بقول موليير أيضا: لا حقيقة بدون هزل، ولا هزل بدون حقيقة، إنه كالصيدلي الذي يعطيك ملبسة فيها الدواء المر، وسيموه سماجة الطعم بالحلاوة، السر في أن تقبلها وتزدردها، والله الشافي فيما بعد.
يريد أن يضحك الجمهور ويهذب أخلاقهم، وهذا ما يعمله كل من كانت له طباع سعيد وقريحة سعيد، ومواهب سعيد واطلاعه الواسع على الروائع العالمية، التي يريد من كل قلبه أن يعمل مثلها وقد عمل، أما هذا الهزل في الادعاء فمن بضاعة سعيد، إنه مؤمن بما يقول هازلا فيورده لك بهذا القالب المضحك، حتى إذا لم تصدقه عده هزلا وكفى الله المؤمنين القتال.
وسعيد يخرج مقاله أحيانا بشكل تمثيلي، وهذا يدلك على أنه خلق كاتبا مسرحيا، اقرأ حديثه مع المخرج، بل سيرة حياته تر كيف مثلها تمثيلا لا ينقصه إلا المسرح والمخرج.
أما المرسح فيعنيه أن يكون سهل الوجود، فبدلا من الموبيليا لا بأس بالسحارة؛ لأنه يهدف إلى أن يكون كل شيء طبيعيا.
ليس سعيد من ذوي الانبساط والمرح وليس من ذوي الضحكة الداوية، ومواضيع مسرحياته ليست كذلك، فمن أين ينبثق إذا هذا الضحك؟ في الغالب يكون التعبير مصدر ذلك، أو التكوين الذي خلقه لأشخاصه، أو الموقف الذي يراه صاحبه جديا كل الجد، بينما الآخرون يهزءون به ويضحكون من عقل صاحبه، إن تكبير الأشياء الهزيلة الحقيرة هو عنصر هام عنده، بل هو وسيلته إلى إبراز هؤلاء الأشخاص الذين عرفهم صغيرا وابتعد عنهم كبيرا، إنه شيخ وإنهم عوام، فصار يسلم عليهم برءوس أصابعه، ولكن صورتهم كانت قد انطبعت في مخيلته، وهو يستعيدها بتفاصيلها ساعة يشاء، ويؤلف منها مشهده متى أراد فيأتي كل شيء طبق الأصل.
Halaman tidak diketahui