مدخل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال:
١- لم اسمع أحدا نسبه الناس أونسب نفس إِلَى عِلْمٍ يُخَالِفُ فِي أَنْ فَرَضَ اللَّهُ ﷿ اتباع آمر رسول الله وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ ﷿ لَمْ يَجْعَلْ لأَحَدٍ بَعْدَهُ إِلا اتِّبَاعَهُ وَأَنَّهُ لا يَلْزَمُ قَوْلٌ بِكُلِّ حَالٍ إِلا بِكِتَابِ اللَّهِ أو سنة رسوله وَأَنَّ مَا سِوَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا وَقَبْلَنَا فِي قبول الخبر عن رسول الله وَاحِدٌ لا يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلا فِرْقَةٌ سَأَصِفُ قَوْلَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٢- قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ ثُمَّ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْكَلامِ فِي تَثْبِيتِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَفَرُّقًا أَمَّا بَعْضُهُمْ فَقَدْ أَكْثَرَ مِنَ التَّقْلِيدِ وَالتَّخْفِيفِ مِنَ النَّظَرِ وَالْغَفْلَةِ وَالاسْتِعْجَالِ بِالرِّيَاسَةِ.
٣- وَسَأُمَثِّلُ لَكَ مِنْ قَوْلِ كُلِّ فِرْقَةٍ عَرَفْتُهَا مِثَالا يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
1 / 3
بَابُ حِكَايَةِ قَوْلِ الطَّائِفَةِ الَّتِي رَدَّتِ الأَخْبَارَ كُلَّهَا
قَالَ: الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
٤- قَالَ: لِي قَائِلٌ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِهِ أَنْتَ عَرَبِيٌّ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلِسَانِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُ وَأَنْتَ أَدْرَى بِحِفْظِهِ وَفِيهِ للَّهِ فَرَائِضُ أَنْزَلَهَا لَوْ شَكَّ شَاكٌّ قَدْ تَلَبَّسَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بِحَرْفٍ مِنْهَا اسْتَتَبْتَهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلا قَتَلْتَهُ وَقَدْ قَالَ: اللَّهُ ﷿ فِي القرآن ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ فَكَيْفَ جَازَ عِنْدَ نَفْسِكَ أَوْ لأَحَدٍ فِي شَيْءٍ فَرَضَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً الْفَرْضُ فِيهِ عَامٌّ وَمَرَّةً الْفَرْضُ فِيهِ خَاصٌّ وَمَرَّةً الأَمْرُ فِيهِ فَرْضٌ وَمَرَّةً الأَمْرُ فِيهِ دِلالَةٌ وَإِنْ شَاءَ ذُو إِبَاحَةٍ؟.
٥- وَأَكْثَرُ مَا فَرَّقْتَ بَيَنْهُ مِنْ هَذَا عِنْدَكَ حَدِيثٌ تَرْوِيهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ آخَرَ عَنْ آخَرَ أَوْ حَدِيثَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ وَجَدْتُكَ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَكَ لا تُبَرِّئُونَ أَحَدًا لَقِيتُمُوهُ وَقَدَّمْتُمُوهُ فِي الصِّدْقِ وَالْحِفْظِ وَلا أَحَدًا لَقِيتُ مِمَّنْ لَقِيتُمْ مِنْ أَنْ يَغْلَطَ وَيَنْسَى وَيُخْطِئَ فِي حَدِيثِهِ بَلْ وَجَدْتُكُمْ تَقُولُونَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخْطَأَ فُلانٌ فِي حَدِيثِ كَذَا وَفُلانٌ فِي حَدِيثِ كَذَا وَوَجَدْتُكُمْ تَقُولُونَ لَوْ قَالَ: رَجُلٌ لِحَدِيثٍ أَحْلَلْتُمْ بِهِ وَحَرَّمْتُمْ مِنْ عِلْمِ الْخَاصَّةِ لَمْ يَقُلْ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّمَا أَخْطَأْتُمْ أَوْ مَنْ حَدَّثَكُمْ وَكَذَبْتُمْ أَوْ مَنْ حَدَّثَكُمْ لَمْ تَسْتَتِيبُوهُ وَلَمْ تَزِيدُوا عَلَى أَنْ تَقُولُوا لَهُ بِئْسَ مَا قُلْتَ:.
٦- أَفَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَظَاهِرُهُ وَاحِدٌ عِنْدَ مَنْ سَمِعَهُ يُخْبِرُ مَنْ هُوَ كَمَا وَصَفْتُمْ فِيهِ؟ وَتُقِيمُونَ أَخْبَارَهُمْ مَقَامَ كِتَابِ اللَّهِ وَإِنَّكُمْ تُعْطُونَ بِهَا وتمنعون بها؟.
1 / 4
٧- قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّمَا نُعْطِي مِنْ وَجْهِ الإِحَاطَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ وَجِهَةِ الْقِيَاسِ. وَأَسْبَابُهَا عِنْدَنَا مُخْتَلِفَةٌ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بِهَا كُلِّهَا فَبَعْضُهَا أَثْبَتُ مِنْ بَعْضٍ.
٨- قَالَ: وَمِثْلُ مَاذَا؟.
٩- قُلْتُ: إِعْطَائِي مِنَ الرَّجُلِ بِإِقْرَارِهِ وَبِالْبَيِّنَةِ وَإِبَائِهِ الْيَمِينِ وَحَلِفِ صَاحِبِهِ وَالإِقْرَارُ أَقْوَى مِنَ الْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ إِبَاءِ الْيَمِينِ وَيَمِينِ صَاحِبِهِ وَنَحْنُ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بِهَا عَطَاءً وَاحِدًا فَأَسْبَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ.
١٠- قَالَ: وَإِذَا قُمْتُمْ عَلَى أَنْ تَقْبَلُوا أَخْبَارَهُمْ وَفِيهِمْ مَا ذَكَرْتُ مِنْ أَمْرِكُمْ بِقَبُولِ أَخْبَارِهِمْ وَمَا حُجَّتُكُمْ فِيهِ عَلَى مَنْ رَدَّهَا؟.
١١- فَقَالَ: لا أَقْبَلُ مِنْهَا شَيْئًا إِذَا كَانَ يُمْكِنُ فِيهِ الْوَهْمُ وَلا أَقْبَلُ إِلا مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَى اللَّهِ كَمَا أَشْهَدُ بِكِتَابِهِ الَّذِي لا يَسَعُ أَحَدًا الشَّكُّ فِي حَرْفٍ مِنْهُ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ شَيْءٌ مَقَامَ الإِحَاطَةِ وَلَيْسَ بِهَا؟.
١٢- فَقُلْتُ: لَهُ مَنْ عَلِمَ اللِّسَانَ الَّذِي بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْكَامُ اللَّهِ دَلَّهُ عِلْمُهُ بِهِمَا عَلَى قَبُولِ أَخْبَارِ الصَّادِقِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْفَرْقِ بَيْنَ مَا دَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ وَعَلِمَ بِذَلِكَ مَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ كُنْتَ لَمْ تُشَاهِدْهُ خَبَرَ الْخَاصَّةِ وَخَبَرَ الْعَامَّةِ.
١٣- قَالَ: نَعَمْ.
١٤- قُلْتُ: فَقَدْ رَدَدْتَهَا إِذْ كُنْتَ تَدِينُ بِمَا تَقُولُ!.
١٥- قال: أَفَتُوجِدُنِي مِثْلَ هَذَا مِمَّا تَقُومُ بِذَلِكَ الْحُجَّةُ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ فَإِنْ أَوْجَدْتَهُ كَانَ أَزْيَدَ فِي إِيضَاحِ حُجَّتِكَ، وَأَثْبَتَ لِلْحُجَّةِ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ وَأَطْيَبَ لِنَفْسِ مَنْ رَجَعَ مِنْ قَوْلِهِ لِقَوْلِكَ.
١٦- فَقُلْتُ: إِنْ سَلَكْتَ سَبِيلَ النَّصَفَةِ، كان في بعض ما قلت: دليل
1 / 5
على أنك مقيم من قولك على ما يجب عليك الانتقال: عنه وأنت تعلم أن قد طالت غفلتك فيه عما لا ينبغي أن تغفل من أمر دينك.
١٧- قال: فاذكر شيئا إن حضرك؟.
١٨- قلت: قال: الله ﷿: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة: ٢]
١٩- قال: فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله فما الحكمة؟.
٢٠- قلت: سنة رسول الله ﷺ.
٢١- قال: أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه
٢٢- قلت: تعني بأن يبين لهم عن الله عز وعلا مثل ما بين لهم في جملة الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه وبين كيف هي لسان نبيه ﷺ.
٢٣– قال: إنه ليحتمل ذلك.
٢٤- قلت: فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله ﷺ.
٢٥- قال: فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام؟.
٢٦- قلت: وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو شيئا واحدا.
٢٨- قلت: فأظهرهما أولاهما في القرآن دلالة على ما قلنا وخلاف
1 / 6
ما ذهبت إليه.
٢٩ - قال: وأين هي؟.
٣٠ - قلت: قال: الله ﷿: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٣٤] . فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان.
٣١ - قال: فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة؟.
٣٢ - قلت: إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها.
٣٣ - قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى.
٣٤ - وقلت: افترض الله علينا إتباع نبيه ﷺ.
٣٥ - قال: وأين؟.
٣٦ - قلت: قال: الله ﷿: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] .
٣٧ - وقال: ﷿: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: من الآية٨٠]
٣٨ – وقال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: من الآية٦٣] .
٣٩ - قال: ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله ﷺ ولو كان بعض ما قال: أصحابنا أن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله ﷺ وحكمته إنما هو مما أنزله لكان من لم يسلم له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله ﷺ.
٤٠ - قلت: لقد فرض الله ﷿ علينا اتباع أمره فقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] .
1 / 7
٤١ – قال: إنه لبين في التنزيل أن علينا فرضا أن نأخذ الذي أمرنا به وننتهي عما نهانا رسول الله ﷺ.
٤٢ – قال: قلت: والفرض علينا وعلى من هو من قبلنا ومن بعدنا واحد.؟
٤٣ - قال: نعم.
٤٤ - قلت: فإن كان ذلك علينا فرضا في اتباع أمر رسول الله ﷺ أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئا فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؟.
٤٥ - قال: نعم.
٤٦ - قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله ﷿ في اتباع أوامر رسول الله ﷺ أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله ﷺ إلا بالخبر عن رسول الله ﷺ؟.
٤٧ - وإن في أن لا آخذ ذلك إلا بالخبر لما دلني على أن الله أوجب علي أن أقبل عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
٤٨ - قال: وقلت: له أيضا يلزمك في ناسخ القرآن ومنسوخه.
٤٩ - قال: فاذكر منه شيئا.
٥٠ – قلت: قال: تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] .
٥١ - وقال: في الفرائض: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء: من الآية١١] .
٥٢ - فزعمنا بالخبر عن رسول الله ﷺ أن آية الفرائض نسخت الوصية
1 / 8
للوالدين والأقربين فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال: قائل الوصية نسخت الفرائض هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله ﷺ؟.
٥٣ - قال: هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله ﷺ وقد صرت إلى قبول الخبر لزم للمسلمين لما ذكرت وما في مثل معانيه في كتاب الله وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال: عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة فيه بل أتدين بأن علي الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيت الحق.
٥٤ - ولكن أرأيت العام في القرآن كيف جعلته عاما مرة وخاصا أخرى.
٥٥ - قلت: له لسان العرب واسع وقد تنطق بالشيء عاما تريد به الخاص فيبين في لفظها ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم وكذلك أنزل في القرآن فبين في القرآن مرة وفي السنة أخرى.
٥٦ – قال: فاذكر منها شيئا؟.
٥٧ - قلت: قال: الله ﷿: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر: ٦٢] .فكان مخرجا بالقول عاما يراد به العام.
٥٨ - وقال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: من الآية١٣] فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى فهذا عام يراد به العام.
٥٩ - وفيه الخصوص وقال: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ . فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم.
٦٠ - وقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [الحج: من الآية٧٣] وقد أحاط العلم أن كل
1 / 9
الناس في زمان رسول الله ﷺ لم يكونوا يدعون من دونه شيئا؛ لأن فيهم المؤمن ومخرج الكلام عاما فإنما أريد من كان هكذا.
٦١- وقال: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] .دل على أن العادين فيه أهلها دونها.
٦٢- وذكرت له أشياء مما كتبت في كتابي.
٦٣- فقال: هو كما قلت: كله ولكن بين لي العام الذي لا يوجد في كتاب الله أنه أريد به خاص.
٦٤- قلت: فرض الله الصلاة ألست تجدها على الناس عاما.
٦٥- قال: بلى.
٦٦ - ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [الحج: من الآية٧٣]-قلت: وتجد الحيض مخرجات منه
٦٧ – قال: نعم.
٦٨ - وقلت: وتجد الزكاة على الأموال عامة وتجد بعض الأموال مخرجا منها
٦٩ - قال: بلى
٧٠ - قلت: وتجد الوصية للوالدين منسوخة بالفرائض
٧١ - قال: نعم
٧٢ - قلت: وفرض المواريث للآباء وللأمهات عاما ولم يورث المسلمون كافرا من مسلم ولا عبدا من حر ولا قاتلا ممن قتل بالسنة؟.
٧٣ – قال: نعم ونحن نقول ببعض هذا.
٧٤ - قلت: فما دلك على هذا.
٧٥ - قال: السنة لأنه ليس فيه نص قرآن.
1 / 10
٧٦ - قلت: فقد بان لك في أحكام الله تعالى في كتابه فرض الله طاعة رسوله والموضع الذي وضعه الله ﷿ به من الإبانة عنه ماأنزل خاصا وناسخا ومنسوخا؟.
٧٧ - قال: نعم وما زلت أقول بخلاف هذا حتى بان لي خطأ من ذهب هذا المذهب ولقد ذهب فيه أناس مذهبين أحد الفريقين لا يقبل خبرا وفي كتاب الله البيان.
٧٨ - قلت: فما لزمه؟.
٧٩ - قال: أفضى به عظيم إلى عظيم من الأمر فقال: من جاء بما يقع عليه اسم صلاة وأقل ما يقع عليه اسم زكاة فقد أدى ما عليه لا وقت في ذلك ولو صلى ركعتين في كل يوم أو قال: في كل أيام وقال: ما لم يكن فيه كتاب الله فليس على أحد فيه فرض!.
٨٠ - وقال: غيره ما كان فيه قرآن يقبل فيه الخبر فقال: بقريب من قوله فيما ليس فيه قرآن فدخل عليه ما دخل على الأول أو قريب منه ودخل عليه أن صار إلى قبول الخبر بعد رده وصار إلى أن لا يعرف ناسخا ولا منسوخا ولا خاصا ولا عاما.
٨١ - والخطأ ومذهب الضلال في هذين المذهبين واضح لست أقول بواحد منهما.
٨٢ - ولكن هل من حجة في أن تبيح المحرم بإحاطة بغير إحاطة
٨٣ - قلت: نعم.
٨٤ - قال: ما هو؟
٨٥ - قلت: ما تقول في هذا لرجل إلى جنبي أمحرم الدم والمال
٨٦ - قال: نعم.
1 / 11
٨٧ - قلت: فإن شهد عليه شاهدان بأنه قتل رجلا وأخذ ماله فهو هذا الذي في يديه؟
٨٨ - قال: أقتله قودا وأدفع ماله الذي في يديه إلى ورثة المشهود له.
٨٩ - قال: قلت: أو يمكن في الشاهدين أن يشهدا بالكذب والغلط.
٩٠ - قال: نعم.
٩١ - قلت: فكيف أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشاهدين وليسا بإحاطة؟.
٩٢ - قال: أمرت بقبول الشهادة.
٩٣ - قلت: أفتجد في كتاب الله تعالى نصا أن تقبل الشهادة على القتل
٩٤ - قال: لا ولكن استدلالا أني لا أؤمر بها إلا بمعنى.
٩٥ - قلت: أفيحتمل ذلك المعنى أن يكون لحكم غير القتل ما كان القتل يحتمل القود والدية.
٩٦ - قال: فإن الحجة في هذا أن المسلمين إذا اجتمعوا أن القتل بشاهدين فقلنا الكتاب محتمل لمعنى ما أجمعوا عليه وأن لا تخطئ عامتهم معنى كتاب الله وإن أخطأ بعضهم.
٩٧ - فقلت: له أراك قد رجعت إلى قبول الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والإجماع دونه؟.
٩٨ - قال: ذلك الواجب علي.
٩٩ - وقلت: له أنجدك إذا أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشهادة وهي غير إحاطة؟.
1 / 12
١٠٠ - قال: كذلك أمرت.
١٠١ - قلت: فإن كنت أمرت بذلك على صدق الشاهدين في الظاهر فقبلتهما على الظاهر ولا يعلم الغيب إلا الله وإنا لنطلب في المحدث أكثر مما نطلب في الشاهد فنجيز شهادة بشر لا نقبل حديث واحد منهم. ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ وبالكتاب والسنة ففي هذا دلالات ولا يمكن هذا في الشهادات.
١٠٢ - قال: فأقام على ما وصفت من التفريق في رد الخبر وقبول بعضه مرة ورد مثله أخرى مع ما وصفت في بيان الخطأ فيه وما يلزمهم اختلاف أقاويلهم.
١٠٣ - وفيما وصفنا ههنا وفي الكتاب قبل هذا دليل على الحجة عليهم وعلى غيرهم.
١٠٤ - فقال: لي قد قبلت منك أن أقبل الخبر عن رسول الله ﷺ وعلمت أن الدلالة على معنى ما أراد بما وصفت من فرض الله طاعته فأنا إذا قبلت خبره فعن الله قبلت ما أجمع عليه المسلمون فلم يختلفوا فيه وعلمت ما ذكرت من أنهم لا يجتمعون ولا يختلفون إلا على حق إن شاء الله تعالى.
١٠٥ - أفرأيت ما لم نجده نصا في كتاب الله ﷿ ولا خبرا عن رسول الله ﷺ مما أسمعك تسأل عنه فتجيب بإيجاب شيء وإبطاله من أين وسعك القول بما قلت: منه وأنى لك بمعرفة الصواب والخطأ فيه وهل تقول فيه اجتهادا على عين مطلوبة غائبة عنك أو تقول فيه متعسفا فمن أباح لك أن تحل وتحرم وتفرق بلا مثال موجود تحتذي عليه فإن أجزت ذلك لنفسك جاز لغيرك أن يقول بما خطر على قبله بلا مثال يصير إليه ولا عبرة توجد عليه يعرف بها خطؤه من صوابه!.
1 / 13
١٠٦- فأبن من هذا إن قدرت ما تقوم لك به الحجة وإلا كان قولك بما لا حجة لك فيه مردودا عليك؟.
١٠٧- فقلت: له ليس لي ولا لعالم أن يقول في إباحة شيء ولا حظره ولا أخذ شيء من أحد ولا إعطائه إلا أن يجد ذلك نصا في كتاب الله أو سنة أو إجماع أو خبر يلزم.
١٠٨ - فما لم يكن داخلا في واحد من هذه الأخبار فلا يجوز لنا أن نقوله بما استحسنا ولا بما خطر على قلوبنا ولا نقوله إلا قياسا على اجتهاد به على طلب الأخبار اللازمة.
١٠٩ - ولو جاز أن نقوله على غير مثال من قياس يعرف به الصواب من الخطأ جاز لكل أحد أن يقول معنا بما خطر على باله ولكن علينا وعلى أهل زماننا أن لا نقول من حيث وصفت.
١١٠ - فقال: الذي أعرف أن القول عليك ضيق إلا بأن يتسع قياسا كما وصفت ولي عليك مسئلتان:
١١١ – إحداهما: أن تذكر الحجة في أن لك أن تقيس والقياس بإحاطة كالخبر إنما هو اجتهاد فكيف ضاق أن تقول على غير قياس واجعل جوابك فيه أخصر ما يحضرك.
١١٢ - قلت: إن الله أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء. والتبيين من وجوه منها ما بين فرضه فيه ومنها ما أنزله جملة وأمر بالاجتهاد في طلبه ودل على ما يطلب به بعلامات خلقها في عباده دلهم بها على وجه طلب ما افترض عليهم.
١١٣ - فإذا أمرهم بطلب ما افترض دلك ذلك والله أعلم دلالتين إحداهما أن الطلب لا يكون إلا مقصودا بشيء أنه يتوجه له لا أن يطلبه الطالب متعسفا. والأخرى أنه كلفه بالاجتهاد في التأخي لما أمره بطلبه
1 / 14
١١٤ - قال: فاذكر الدلالة على ما وصفت؟.
١١٥ - قلت: قال: الله ﷿: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: من الآية١٤٤] وشطره قصده وذلك تلقاؤه
١١٦ - قال: أجل.
١١٧ - قلت: وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام: من الآية٩٧]
١١٨ - وقال: وسخر لكم النجوم والليل والنهار والشمس والقمر وخلق الجبال والأرض.
١١٩ - وجعل مسجد الحرام حيث وضعه من أرضه فكلف خلقه التوجه إليه فمنهم من يرى البيت ولا يسعه إلا الصواب القصد إليه ومنهم من يغيب عنه وتنأى داره عن موضعه فيتوجه إليه بالاستدلال بالنجوم والشمس والقمر والرياح والجبال والمهاب كل هذا قد يستعمل في بعض الحالات ويدل فيها ويستغني بعضها عن بعض.
١٢٠ - قال: هذا كما وصفت ولكن على إحاطة أنت من أن تكون إذا توجهت أصبت؟.
١٢١ - قلت: أما على إحاطة من أني إذا توجهت أصبت ما أكلف وأن لم أكلف أكثر من هذا فنعم.
١٢٢ - قال: أفعلى إحاطة أنت من صواب البيت بتوجهك؟.
١٢٣ - قلت: أفهذا شيء كلفت الإحاطة في أصله البيت؟ وإنما كلفت الاجتهاد.
1 / 15
١٢٤ - وقال: فما كلفت؟.
١٢٥ - قلت: التوجه شطر المسجد الحرام فقد جئت بالتكليف وليس يعلم الإحاطة بصواب موضع البيت آدمي إلا بعيان فأما ما غاب عنه من غيره فلا يحيط به آدمي.
١٢٦ - قال: فنقول أصبت؟.
١٢٧ - قلت: نعم على معنى ما قلت: أصبت على ما أمرت به.
١٢٨ - فقال: ما يصح في هذا جواب أبدا غير ما أجبت به.
١٢٩ - وإن من قال: كلفت الإحاطة بأن أصيب لزعم أنه لا يصلي إلا أن يحيط بأن يصيب أبدا وإن القرآن ليدل كما وصفت على أنه إنما أمر بالتوجه إلى المسجد الحرام والتوجه هو التأخي والاجتهاد لا الإحاطة.
١٣٠ - فقال: اذكر غير هذا إن كان عندك؟.
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
١٣١ - وقلت: له قال الله ﷿: ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ﴾ [المائدة: من الآية٩٥]
١٣٢ - على المثل يجتهدان فيه لأن الصفة تختلف فتصغر وتكبر فما أمر العدلين أن يحكما بالمثل إلا على الاجتهاد لم يجعل الحكم عليهما حتى أمرهما بالمثل.
١٣٣ - وهذا يدل على مثل ما دلت عليه الآية قبله من أنه محظور عليه إذا كان في المثل اجتهاد أن يحكم بالاجتهاد إلا على المثل ولم يؤمر فيه ولا في القبلة إذا كانت مغيبة عنه فكان على غير إحاطة من أن يصيبها بالتوجه أن يكون يصلي حيث شاء في غير اجتهاد بطلب الدلائل فيها وفي
1 / 16
الصيد معا.
١٣٤ - ويدل على أنه لا يجوز لا حد أن يقول في شيء من العلم إلا بالاجتهاد والاجتهاد فيه كالاجتهاد في طلب البيت في القبلة والمثل في الصيد.
١٣٥ - ولا يكون الاجتهاد إلا لمن عرف الدلائل عليه من خبر لازم كتاب أو سنة أو إجماع ثم يطلب ذلك بالقياس عليه بالاستدلال ببعض ما وصفت كما يطلب ما غاب عنه من البيت واشتبه عليه من مثل الصيد.
١٣٦ - فأما من لا آلة فيه فلا يحل له أن يقول في العلم شيئا.
١٣٧ - ومثل هذا أن الله شرط العدل بالشهود والعدل العمل بالطاعة والعقل للشهادة فإذا ظهر لنا هذه قبلنا شهادة الشاهد على الظاهر وقد يمكن أن يكون يستبطن خلافه ولكن لم يكلف المغيب فلم يرخص لنا إذا كنا على غير إحاطة من أن باطنه كظاهره أن نجيز شهادة من جاءنا إذا لم يكن فيه علامات العدل هذا يدل على ما دل عليه ما قبله.
١٣٨ - وبين أن لا يجوز لا حد أن يقول في العلم بغير ما وصفنا.
١٣٩ - قال: أفتوجدنية بدلالة مما يعرف الناس.
١٤٠ - فقلت: نعم.
١٤١ - قال: وما هي؟.
١٤٢ - قلت: أرأيت الثوب يختلف في عيبه والرقيق وغيره من السلع من يريه الحاكم ليقومه؟.
١٤٣ - قال: لا يريه إلا أهل العلم به.
١٤٤- قلت: لأن حالهم مخالفة حال أهل الجهالة آن يعرفوا أسوا قه
1 / 17
يوم يرونه وما يكون فيه عيبا ينقصه وما لا ينقصه؟.
١٤٥ - قال: نعم.
١٤٦ - قلت: ولا يعرف ذلك غيرهم؟.
١٤٧ - قال: نعم.
١٤٨ - قلت: ومعرفتهم فيه بالاجتهاد بأن يقيسوا الشيء بعضه ببعض على سوق يومها؟.
١٤٨ - قال: نعم.
١٥٠ - قلت: وقياسهم اجتهاد لا إحاطة؟.
١٥١ - قال: نعم.
١٥٢ - قلت: فإن قال: غيرهم من أهل العقول نحن نجتهد إذ كنت على غير إحاطة من أن هؤلاء أصابوا أليس تقول لهم إن هؤلاء يجتهدون عالمين وأنت تجتهد جاهلا فأنت متعسف؟.
١٥٣ - فقال: ما لهم جواب غيره وكفى بهذا جوابا تقوم به الحجة.
١٥٤ - قلت: ولو قال: أهل العلم به إذا كنا على غير إحاطة نقول فيه على غير قياس ونثبت في الظن بسعر اليوم والتأمل لم يكن ذلك لهم؟.
١٥٥ - قال: نعم.
١٥٦ - قلت: فهذا من ليس بعالم بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ وبما قال: العلماء وعاقل ليس له أن يقول من جهة القياس والوقف في النظر.
١٥٧ - ولو جاز لعالم أن يدع الاستدلال بالقياس والاجتهاد فيه جاز للجاهلين أن يقولوا ثم لعلهم أعذر بالقول فيه لأنه يأتي الخطأ عامدا بغير
1 / 18
اجتهاد ويأتونه جاهلين.
١٥٨ - قال: أفتوجدني حجة في غير ما وصفت أن للعالمين أن يقولوا؟.
١٥٩ - قلت: نعم.
١٦٠ - قال: فاذكرها؟.
١٦١ - قلت: لم أعلم مخالفا في أن من مضى من سلفنا والقرون بعدهم إلى يوم كنا قد حكم حاكمهم وأفتى مفتيهم في أمور ليس فيها نص كتاب ولا سنة وفي هذا دليل على أنهم إنما حكموا اجتهادا إن شاء الله تعالى.
١٦٢- قال: أفتوجدني هذا من سنة؟.
-١٦٣ قلت: نعم أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ".
١٦٤ - وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
-١٦٥ قال الشافعي: فقال: فأسمعك تروي فإذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر.
1 / 19
باب حكاية قول من رد خبر الخاصة
أخبرنا الربيع قال: محمد بْن إدريس الشافعي
١٦٦- فوافقنا طائفة في أن تثبيت الأخبار عن النبي ﷺ لازم للأمة ورأوا ما حكيت مما احتججت به على من رد الخبر حجة يثبتونها ويضيقون على كل أحد أن يخالفها.
١٦٧- ثم كلمني جماعة منهم مجتمعين ومتفرقين بما لا أحفظ أن أحكي كلام المنفرد عنهم منهم وكلام الجماعة ولا ما أجبت به كلا ولا أنه قيل لي وقد جهدت على تقصي كل ما احتجوا به فاثبت أش ياء قد قلت: ها ولمن قلتها منهم وذكرت بعض ما أراه منه يلزمهم وأسأل الله تعالى العصمة والتوفيق.
١٦٨- قال: فكانت جملة قولهم آن قال: وا لا يسع أحدا من الحكام ولامن المفتيين أن يفتي ولا يحكم إلا من جهة الإحاطة.
١٦٩ - والإحاطة كل ما علم أنه حق في الظاهر والباطن يشهد به على الله وذلك الكتاب والسنة المجتمع عليها وكل ما اجتمع الناس ولم يتفرقوا فيه فالحكم كله واحد يلزمنا ألا نقبل منهم إلا ما قلنا مثل أن الظهر أربع لأن ذلك الذي لا ينازع فيه ولا دافع له من المسلمين ولا يسع أحدا يشك فيه.
١٧٠- قلت: له لست أحسبه يخفى عليك ولا على أحد حضرك أنه لا يوجد في علم الخاصة ما يوجد في علم العامة.
١٧١- قال: وكيف؟.
1 / 20
١٧٢- قلت: علم العامة على ما وصفت لا تلقى أحدا من المسلمين إلا وجدت علمه عنده ولا يرد منها أحد شيئا على أحد فيه كما وصفت في جمل الفرائض وعدد الصلوات وما أشبهها.
١٧٣- وعلم الخاصة علم السابقين والتابعين من بعدهم إلى من لقيت تختلف أقاويلهم وتتباين تباينا بينا فيما ليس فيه نص كتاب يتأولون فيه ولم يذهبوا إلى القياس فيحتمل القياس الاختلاف فإذا اختلفوا فأقل ما عند المخالف لمن أقام عليه خلافه أنه مخطىء عنده وكذلك هو عند من خالفه وليست هكذا المنزلة الأولى.
١٧٤- وما قيل قياسا فأمكن في القياس أن يخطئ القياس لم يجز عندك أن يكون القياس إحاطة ولا يشهد به كله على الله كما زعمت.
١٧٥- فذكرت أشياء تلزمه عندي سوى هذا.
١٧٦- فقال: بعض من حضره دع المسألة في هذا وعندنا أنه قد يدخل عليه كثير مما أدخلت عليه ولا يدخل عليه كله قال: فأنا أحدث لك غير ما قال.
١٧٧- قلت: فاذكره؟.
١٧٨- قال: العلم من وجوه منها ما نقلت: هـ عامة من عامة أشهد به على الله وعلى رسوله مثل جمل الفرائض.
١٧٩- قلت: هذا العلم المقدم الذي لا ينازعك فيه أحد.
١٨٠- ومنها كتاب يحتمل التأويل فيختلف فيه فإذا اختلف فيه فهو على ظاهره وعامه لا يصرف إلى باطن أبدا وإن احتمله إلا بإجماع من الناس عليه فإذا تفرقوا فهو على الظاهر.
١٨١- قال: ومنها ما اجتمع المسلمون عليه وحكوا عن من قبلهم
1 / 21
الاجتماع عليه وإن لم يقولوا هذا بكتاب ولا سنة فقد يقوم عندي مقام السنة المجتمع عليها وذلك أن إجماعهم لا يكون عن رأي لأن الرأي إذا كان تفرق فيه.
١٨٢ - قلت: فصف لي ما بعده؟.
١٨٣ - قال: ومنها علم الخاصة ولا تقوم الحجة بعلم الخاصة حتى يكون نقله من الوجه الذي يؤمن فيه الغلط.
١٨٤ - ثم آخر هذا القياس ولا يقاس منه الشيء بالشيء حتى يكون مبتداه ومصدره ومصرفه فيما بين أن يبتدئ إلى أن ينقضي سواء فيكون في معنى الأصل.
١٨٥ - ولا يسع التفرق في شيء مما وصفت من سبيل العلم.
١٨٦ - والأشياء على أصولها حتى تجتمع العامة على إزالتها عن أصولها.
١٨٧ - والإجماع حجة على كل شيء لأنه لا يمكن فيه الخطأ.
١٨٨ - قال: فقلت: أما ما ذكرت من العلم الأول من نقل العوام عن العوام فكما قلت.
١٨٩ - أفرأيت الثاني الذي قلت: لا تختلف فيه العوام بل تجتمع عليه وتحكي عن من قبلها الاجتماع عليه أتعرفه فتصفه أو تعرف العوام الذين ينقلون عن العوام أهم كمن قلت: في جمل الفرائض فأولئك العلماء ومن لا ينسب إلى العلم ولا نجد أحدا بالغا في الإسلام غير مغلوب على عقله يشك أن فرض الله أن الظهر أربع أم هو وجه غير هذا؟.
١٩٠ - قال: بل هو وجه غير هذا.
١٩١ - قلت: فصفه؟.
1 / 22