وما حان العصر حتى كان قد جاء بوالدته إلى غرفة سليم بالفندق، فعانقت والدة سليم وقبلته مهنئة إياه بالسلامة، واعتذر إليها من مغادرته منزلها دون علمها، فقالت له: «ليس بيننا ما يدعو إلى الاعتذار.» ثم جلست تتحدث هي ووالدته حديث المودة في مختلف الشئون. بينما انتحى سليم وحبيب ناحية، فقص الأول حكايته مع سلمى، وقص الثاني حكايته مع أدما، ثم أخذا يتضاحكان لما تخلل القصتين من سوء تفاهم أدى إلى ما وقعا فيه من مشكلات لم ينتهيا من حلها بعد، واعتزما الانتقام من داود وسعيدة العجوز الماكرة على مساعيهما الدنيئة لحساب وردة وابنتها.
ثم نهضا واصطحبا والدتيهما إلى منزل سلمى، فلما بلغوا منزل أدما في الطريق إليه اشتد خفقان قلب حبيب وتطلع إلى شرفة غرفة أدما، فإذا هي مطلة منها، فم يعد يقوى على السير ووقف في مكانه جامدا لا يستطيع رد بصره عن التطلع إليها، وحانت منها التفاتة إليه فلم تصدق أنه هو أول الأمر، ثم رأته يشير إليها بالتحية ويومئ إليها أن تلحق به إلى بيت سلمى. فأخذت تنظر إليه ذاهلة، ثم تحققت الأمر بعد أن تكررت إشاراته لها ووقعت عيناها على سليم بجانبه ولم تكن لذهولها وارتباكها قد تنبهت إلى وجوده. فلم يسعها إلا أن تومئ إليه بأنها ستلحق به إلى هناك، وانثنت داخلة من الشرفة حيث خفت إلى والدتها وأنبأتها بما حدث والبشر باد في محياها قائلة: «ماذا ترين يا أماه؟ لعله عاد إلى صوابه وندم على ما فرط منه كما كنا نؤمل!»
فوافقتها على هذا الرأي، وقالت لها: «سأذهب معك إلى هناك.» ثم تركت ما كانت تقوم به من الأعمال المنزلية، وسارعت إلى ارتداء ثوب الخروج وقلبها لا يقل فرحا عن قلب ابنتها بهذا الاتفاق السعيد.
أما سليم فلم يقو على مواجهة سلمى مفاجأة، لشدة خجله وندمه على ما فرط في حقها، فاقترح أن تدخل والدته عليها أولا مع والدة حبيب لتقوم بمهمة التعارف بينهما، والتمهيد لمقابلته إياها. •••
كانت سلمى بعد أن زارها حبيب وتلا عليها خطاب سليم قد أذهلتها المفاجأة، وكادت ألا تصدق رجوعه إلى حبها والإيمان بطهرها وعفافها ووفائها، ثم تحققت أن الخطاب بخطه الذي تعرفه كل المعرفة. فأشرق وجهها، وشعرت بتحسن كبير في صحتها وما كاد حبيب ينصرف من عندها حتى دعت إليها سعيدة خادمتها العجوز وقالت لها: «يلوح لي يا خالتي أن الله - جل شأنه - قد كتب لي الخلاص من الشقاء والمرض.»
فأدركت سعيدة بدهائها أن لهذا التعبير علاقة بسليم، ولا سيما بعد زيارة صديقه حبيب لسلمى، لكنها تظاهرت بالبشر والابتهاج وقالت: «خيرا يا بنيتي إن شاء الله، هل سمعت نبأ جديدا عن سيدي سليم؟»
قالت: «نعم، أخبرني حبيب الآن بأنه آت إلينا بعد يومين أو ثلاثة.»
فأجفلت سعيدة خشية على حبوط مساعيها الدنيئة وقالت: «وماذا صنع مع تلك الفتاة التي علق بها وذهب إلى الإسكندرية لخطبتها؟»
فقالت: «تخلص منها بعد أن تبين خطأه.»
فوجمت العجوز قليلا، ثم قالت: «وهل كتب لها خطابا اتهمها فيه بالغدر والخيانة كي يتخلص منها؟!»
Halaman tidak diketahui