فأخذ يغالطه ناسبا ذلك إلى تأثير المسهل الذي تناوله، ثم قال له: «إن هواء حلوان نقي جاف منشط، ويا حبذا لو ذهبت معي للإقامة معنا أياما هناك لتبديل الهواء!»
فاعتذر سليم من عدم استطاعته ذلك شاكرا، وقال: «لا داعي إلى مغادرة الفراش والانتقال الآن.» ثم أصر على الامتناع برغم إلحاح حبيب، فرأى هذا أن لا سبيل إلى إقناعه إلا بأن يأتي إليه بوالدته لتتولى إقناعه بنفسها. فاستأذن في الانصراف، وسارع إلى منزله في حلوان مستقلا قطار الساعة الثانية بعد الظهر، حيث أنبأ والدته بما حدث، فوافقته على الذهاب معه لإحضار سليم، وبعد أن تناولا الغداء، غادرا المنزل إلى المحطة حيث استقلا القطار إلى القاهرة، فوصلا إلى غرفة سليم وقت الأصيل، وكانت الحمى قد اشتدت وطأتها عليه فأخذ يئن ويتوجع.
وما رأته والدة حبيب في هذه الحالة حتى تناثرت الدموع من عينيها حنانا وإشفاقا، فمالت عليه وقبلته قائلة: «لا بأس عليك يا ولدي!» ثم أخذت تواسيه وتهون الأمر عليه.
ولم يتمالك سليم عواطفه إزاء حنانها وعطفها، إذ تذكر والدته فأخذت الدموع تنهل من عينيه، وتمتم قائلا: «آه يا أماه!»
فازدادت والدة حبيب تأثرا، وانحنت عليه وهي لا تستطيع إمساك دموعها، وأخذت تمسح العرق المتصبب من وجهه قائلة: «أنت بخير يا ولدي، فاطمئن وثق بأني لك كوالدتك، فأنت مني بمنزلة حبيب.»
فاشتد هياج أشجان سليم، وأمعن في البكاء برغم محاولته التجلد، وود لو أنه لم يفارق والدته، ولم يعرف الحب الذي أقصاه عنها وحملها على اتهامه بالعقوق. بينما واصلت والدة حبيب تهدئة روعه. أما حبيب فلم يتمالك عن البكاء هو الآخر، لكنه حول وجهه عن سرير صديقه حتى لا يلحظ بكاءه فتزداد أشجانه.
وأخيرا مالت والدة حبيب على وجه سليم وقبلته قائلة: «إنني أسألك بحق والدتك عليك أن تكف عن البكاء، وأن تذهب معنا إلى حلوان، فمنزلنا هو منزلك، وكلنا في خدمتك حتى يتم شفاؤك قريبا بإذن الله.»
وقالت والدة حبيب لسليم: «اطمئن وثق بأني لك كوالدتك؛ فأنت مني بمنزلة حبيب.»
وحاول سليم أن يرد عليها، فخنقته عبراته ولم يستطع التكلم؛ إذ تذكر أن والدته غير راضية عنه. ثم استطاع التجلد قليلا بعد حين وقال وكأنه يحدث نفسه: «إنني أستحق هذا الذي أنا فيه، بل أستحق أكثر منه، فهكذا يكون جزاء العقوق ونكران الجميل.»
فعجبت والدة حبيب، ولم تفهم مراده لخلو ذهنها مما بين سليم ووالدته. وخشي حبيب أن تلح والدته في سؤال سليم عن مراده فيصرح لها هذا بسره الذي يحرص على كتمانه. فأشار إليها بأن تكف عن الحديث مع سليم لأنه في بحران الحمى، ثم قال لها: «سأذهب الآن لأحضر طبيبا يفحصه ويقرر ما ينبغي له من العلاج، فامكثي أنت بجانبه ريثما أعود.»
Halaman tidak diketahui