107

ولما اتخذنا الإنجليزية لغة قومية ثانية اكتسبنا أدبا له ماض عريق في القدم ومن أكثر الآداب انتشارا في الوقت الحاضر من غير شك، أصبحت لدينا خلفية، ومقياس روحي، وكنز من الأساليب وطرق التعبير، ومصدر للوحي لا ينفد. وبعبارة موجزة: أمست لدينا القدرة على الإبداع في مجال لم نكن من قبل قط من المبدعين فيه. وبفضل الراجا وجدي الأكبر أصبح لدينا أدب أنجلوبالي؛ وسوزيلا مثال طيب معاصر لهذا الأدب.

وعارضت سوزيلا قائلة: إنما أنا أمثل الجانب القاتم منه. وأغمض الدكتور ماك فيل عينيه وابتسم لنفسه وأخذ ينشد مقطوعة شعرية عن جلال الصمت.

ثم فتح عينيه ثانية وقال: ولا أذكر هذا الشعر الذي يمجد الصمت فحسب، بل أذكر كذلك العلم، والفلسفة، وأصول الدين الذي يدعو إلى الصمت ... والآن آن الأوان لكي تنام. ثم نهض واتجه نحو الباب وهو يقول: سآتي لك بكوب من عصير الفواكه.

الفصل التاسع

- حب الوطن وحده لا يكفي. وأي شيء آخر وحده لا يكفي. العلم لا يكفي، والدين لا يكفي، والفن لا يكفي، والسياسة والاقتصاد وحدهما لا يكفيان، وكذلك الحب لا يكفي، والواجب لا يكفي، والعمل وحده لا يكفي مهما تنزه صاحبه عن الهوى، وكذلك التأمل وحده - مهما سما - لا يكفي، لا يغني إلا كل شيء.

ومن بعيد صاح الطائر: انتباه!

ونظر ويل في ساعته. كانت الثانية عشرة إلا خمسا، فأغلق كتاب «حقائق الأشياء»، وتناول عصا الخيزران ذات الطرف المدبب التي كانت فيما مضى ملكا لديوجولد ماك فيل وسار بها لكي يحافظ على موعده مع فيجايا والدكتور روبرت. ولا يبعد المبنى الرئيسي لمحطة التجارب عن منزل الدكتور روبرت أكثر من ربع ميل إذا هو سلك الطريق المختصر . وكان اليوم شديد الحرارة، وكان عليه أن يتغلب على مشقة الهبوط على مجموعتين من درجات السلم. والرحلة شاقة بالنسبة لرجل في دور النقاهة، ساقه اليمنى في الجبيرة.

وشق ويل طريقه في بطء وبشعور من الألم على الطريق الملتوي وفوق درجات السلم. وفي أعلى المجموعة الثانية من الدرجات توقف ليلتقط أنفاسه ويمسح جبينه، والتزم الجدار حيث كان إلى جواره شريط ضيق من الظل، وسار نحو لوحة كتب عليها: «المعمل».

وكان الباب الذي يقع تحت اللوحة منفتحا إلى نصفه، فدفعه ليتم انفتاحه، وألفى نفسه على عتبة حجرة طويلة سقفها مرتفع. وكانت هناك الأحواض وطاولات العمل المعتادة، والدواليب ذات الأوجه الزجاجية المألوفة مليئة بالزجاجات والمعدات، وروائح الكيماويات المعتادة، وكذلك الفئران في الأقفاص. وتصور ويل لأول وهلة أن الغرفة خالية من السكان؛ ولكن الأمر لم يكن كذلك؛ فقد كان موروجان الشاب جالسا عند إحدى المناضد مستغرقا في القراءة وتكاد تخفيه عن الأنظار خزانة كتب تبرز من الحائط بزاوية قائمة، وولج ويل الغرفة وهو أشد ما يكون هدوءا؛ لأن مما يسره دائما أن يفاجئ غيره من الناس، وغطى على صوت مقدمه أزيز مروحة كهربائية، ولم يتنبه موروجان إلى وجوده إلا بعدما أصبح على قيد بضع أقدام من خزانة الكتب. وفزع الفتى كأنه مذنب، وألقى كتابه بعجلة المذعور في حقيبة من الجلد، ومد يده نحو كتاب آخر أصغر حجما كان مفتوحا على المنضدة إلى جوار الحقيبة، وجذب إليه الكتاب حتى أصبح على بعد القراءة، عندئذ فقط لفت وجهه نحو الشخص الدخيل.

وطمأنه ويل بابتسامة منه وقال له: هذا أنا.

Halaman tidak diketahui