Jawhar Insaniyya

Zaynab Catif d. 1450 AH
150

Jawhar Insaniyya

جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف

Genre-genre

وتعتمد المفاهيم الجديدة في مجال العلم، كما في الرياضيات أو الفلسفة، على أفكار لم تخطر لأحد من قبل. فبديهيات مثل أن الأرض ليست مركز الكون، وأن جميع الأجسام يجذب بعضها بعضا، وأن القلب يضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسم في دائرة مغلقة، وأن كثيرا من الأمراض تسببها الجراثيم المعدية، وأن الحياة على الأرض تطورت عبر عملية تغير تدريجية، وأن الزمن هو البعد الرابع للمكان؛ كلها أفكار مبتكرة تماما مثل مسرحيات شكسبير ولوحات فيرمير، وموسيقى موتسارت، وكتابات فولتير. والاختلاف الوحيد أنه إن لم يكن شكسبير أو فيرمير أو موتسارت أو فولتير قد عاشوا، لم تكن لتظهر «هاملت» و«الفتاة ذات القرط اللؤلئي» وسيمفونية «جوبيتر» ورواية «كانديد»؛ لكن إذا لم يولد كوبرنيكوس،

8

أو نيوتن أو هارفي أو كوك أو داروين أو أينشتاين، فإن شخصا آخر كان سيتوصل في النهاية إلى اكتشافاتهم.

9

ونحن نعلم أنه في الوقت الذي كان نيوتن يضع فيه أساس علم التفاضل والتكامل - أو بعده بفترة قصيرة - في إنجلترا، كان لايبنتس يصوغ المعادلات التفاضلية في ألمانيا (لم يكن أحدهما يعرف ما يعمل عليه الآخر). وبينما كان فلوري وتشين يعزلان البنسلين ويحددان تركيبه في أكسفورد، كان العلماء في هولندا يفعلون الأمر نفسه؛ لكن لم تظهر ثمار عملهم قط؛ لأنه في عام 1940 تعرضت هولندا للهجوم واجتاحت القوات الألمانية الدولة.

10

إن العلم، على عكس الفن، ليس عرضة للتأثيرات الإقليمية، ولا يتأثر كثيرا بمرور الوقت. فلا يوجد علم «غربي» أو «شرقي»، ولا يوجد علم قديم أو حديث، مثلما يوجد فن صيني أو مصري، بدائي أو كلاسيكي، تصويري أو تجريدي. فالتفسيرات التي يتوصل إليها العالم لها صلاحية عالمية. أنا أتجنب عن عمد استخدام كلمة «حقيقة»؛ فالحقيقة والكذب مفهومان ابتكرهما علماء الرياضيات والفلاسفة، أما العلماء فيستخدمونهما على مسئوليتهم. تتخطى التفسيرات العلمية حدود الزمن والمكان. ففكرة أن مدارات الكواكب توجد بفعل تأثيرات الجاذبية، وأن البرق والرعد يحدثان نتيجة تفريغ كهربائي، لا تختلف صحتها في العصر الحالي عما كانت عليه في عهد نيوتن أو بنجامين فرانكلين (الذي اخترع مانع الصواعق). كما أن هذه التفسيرات تكون صحيحة في كراكوف وكامبريدج تماما مثلما تكون في مدينة كوبه وكلكتا. كيف يمكننا التأكد؟ لأن جميع النظريات العلمية يمكن اختبارها من حيث المبدأ؛ بعضها على الفور، والبعض الآخر عند توافر التقنية المطلوبة، وأخرى عندما يجعل حدث عرضي الاختبار ممكنا. ومثال على الحالة الأولى فرضية جاليليو بأن السرعة التي تسقط بها الأشياء على الأرض لا علاقة لها بوزنها؛ إذ أجرى جاليليو التجربة على الفور. ومثال على الحالة الثانية فكرة داروين عن التطور؛ إذ مرت مائة سنة قبل أن يستطيع التحليل الجزيئي إثبات فرضيته. أما الحالة الثالثة فيظهر مثال عليها في نظرية أينشتاين عن النسبية العامة؛ حيث قدم كسوف للشمس حدث في وقت مناسب الدليل الذي كان ينتظره.

تستمد النظريات العلمية مصداقيتها من اختبار التنبؤات وتكرار التجارب التي تقوم عليها التفسيرات مرارا وتكرارا. بل والأكثر إقناعا هو غياب البيانات السلبية. فحتى نثق في إحدى الفرضيات، يجب أن نتمكن من إظهار أن كافة محاولات دحضها تفشل.

11

لقد أشرت ضمنيا إلى أن صحة التفسيرات العلمية لا تتغير بمرور الوقت؛ والآن علي الاعتراف الآن بأن هذا ليس به إلا قدر من الصحة. فمع تحسن تقنيات قياس الظواهر الطبيعية، تبدو نتائج الأمس مبهمة قليلا اليوم. فمفهوم الجاذبية يفسر حركة الكواكب حول الشمس جيدا، لكنه لا يفسرها بالكامل. أما عند الوضع في الاعتبار حقيقة أن المكان «منحن»، يمكن الحصول على إجابة أكثر دقة. يكون تأثير هذا طفيفا جدا على الأرض (لكنه يكون هائلا بالطبع على الكون)، ولم يستطع نيوتن قياسه، رغم أنه شك في أن الأمر كذلك. إن تفسيره لحركة الأجسام صحيح بالأساس؛ لكن التفاصيل الدقيقة فقط هي التي تحتاج إلى تعديل. وسنتعرض لمزيد من الأمثلة عن الحاجة إلى تنقيح فرضية معينة مع ظهور بيانات جديدة، عند حديثنا عن علم الأحياء الحديث. ومثال على فرضية خاطئة تماما افتراض أرسطو أن المادة مكونة من أربعة عناصر، هي التراب والنار والهواء والماء. وثمة مثال آخر ظهر في وقت متأخر من القرن السابع عشر يتمثل في افتراض أنه عند تسخين المعادن تفقد غازا يسمى «الفلوجستون». أظهر علم الكيمياء في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أن كلا الافتراضين خاطئان؛ فالعناصر التي تتكون منها المادة هي الهيدروجين والكربون والكبريت والسليكون وغيرها؛ وعندما تسخن المعادن فإنها «تكتسب» غازا، وهو الأكسجين تحديدا (حتى تصبح أكسيدات).

Halaman tidak diketahui