Aspek-Aspek Intelektual dalam Pelbagai Sistem Sosial
الجوانب الفكرية في مختلف النظم الاجتماعية
Genre-genre
ومما ساعد على اكتمال سيطرة مالك الأرض على الفلاحين، ضعف السلطة المركزية في العصور الوسطى، وعدم وجود حكومة مسيطرة وإدارة حكومية قوية لها سلطة تنفيذية كاملة. وهكذا كان الإقطاع يقوم بمهمة حماية أرواح الفلاحين وممتلكاتهم (إن كانت لهم ممتلكات)، وهو أمر كانت له أهميته البالغة في عصر لم يكن فيه من مصدر للثروة سوى الأرض، وكان دور التجارة والصناعة في الإنتاج محدودا إلى أبعد حد. ولكنه كان يتقاضى ثمن هذه الحماية باهظا، إذ كان الفلاحون المشتغلون بأرضه رقيقا لهذه الأرض، وكانت حقوقهم ضئيلة جدا، وواجباتهم باهظة فادحة، ولم تكن أمامهم أية سلطة يحتكمون إليها إذا زاد طغيان المالك الإقطاعي عن الحد، إذ كان هذا الإقطاعي هو الخصم والحكم في آن واحد.
ولذلك فإنه إذا كانت قيم الشجاعة والترفع والأرستقراطية هي السائدة في جانب الإقطاعيين، فإن قيم الخضوع والولاء كانت هي السائدة في جانب عامة الناس، وكان النموذج المرغوب فيه لإنسان العصر الوسيط هو نموذج الإنسان الخاضع، الذي لا يتجاوز حدوده ولا يتطلع إلى ما هو أعلى منه، والذي تنحصر أغلى أمانيه في رضاء سيده الإقطاعي عنه. (2)
وقد أسهم رجال الدين بدورهم في إكمال صورة العصر الإقطاعي الغربي، فنشروا بين عامة الناس «قيم الزهد» وصوروا حياة الإنسان على هذه الأرض بأنها مرحلة عابرة، لا ينبغي أن يوليها اهتماما كبيرا؛ ومن ثم كانت أفكارهم منصرفة عن هذا العالم، زاهدة فيه، ولم تكن لأوجه النشاط المتعلقة بهذه الحياة من قيمة سوى أنها تهيئ الإنسان للحياة الأخرى الباقية. على أن هذه القيم كانت في واقع الأمر موجهة نحو عامة الشعب؛ أعني نحو أولئك الذين يريد رجال الدين في ذلك العصر أن يظلوا في حالة من القناعة والاكتفاء بأقل القليل. أما رجال الدين أنفسهم فكان الكثيرون منهم يعيشون حياة لا صلة لها على الإطلاق بما يدعون الناس إليه؛ إذ إنهم كانوا يستمتعون بكل مباهج الحياة، ولم يكن إصرارهم على تأكيد قيم الزهد إلا تغطية لنمط حياتهم الذي كان أبعد ما يكون عن الزهد. والمهم في الأمر أن انتشار أفكار الخضوع والولاء والرضا بالقليل كان يرجع إلى تأثير رجال الدين بقدر ما كان يرجع إلى تأثير النبلاء الإقطاعيين. (3) دور الإقطاع في حياة الشرق
لا يمثل الإقطاع في الشرق - إذا فهم بمعنى واسع، لا بالمعنى الذي كان سائدا في الغرب فحسب - نظاما تاريخيا كان له دوره خلال مرحلة من مراحل التطور ثم انقضى عهده، وإنما هو نظام ما زالت له - في المنطقة التي نعيش فيها من العالم - آثار عميقة، بل لا يزال له وجود فعلي ملموس في كثير من أرجاء هذه المنطقة.
ولسنا نود أن نتحدث عن العوامل المختلفة التي أدت إلى ظهور نظام الإقطاع وتوطده في هذه المنطقة من العالم؛ إذ إن هذا الحديث كفيل بأن يبعد بنا عن غرضنا الأصلي، وهو البحث في الاتجاهات الفكرية والمعنوية التي ترتبت على انتشار نظام الإقطاع. وحسبنا أن نشير إلى أن الامتداد الزمني الهائل لنظام الإقطاع لا يسمح لنا بأن نتحدث عنه كما لو كان نظاما واحدا متجانسا في كل الأحوال، بل كان من الضروري أن يتغير طابعه من عصر إلى عصر، ومن مجتمع إلى آخر، وأن يتداخل أحيانا مع نظم أخرى سابقة على الإقطاع، كنظام الرق، وأحيانا أخرى مع نظم لاحقة له، كالنظام الرأسمالي.
ولذلك كان يكفينا، لكي نحقق أغراض بحثنا الحالي، أن نشير إلى نظام الإقطاع بوصفه ذلك النظام الذي يرتبط أساسا بالحياة الزراعية، والذي يتسم بعلاقات اقتصادية واجتماعية بعيدة كل البعد عن التكافؤ بين ملاك كبار من ناحية وبين فلاحين مستعبدين بدرجات متفاوتة. وينبغي أن نتنبه في هذا الصدد إلى أن آثار هذا النظام تظل تطبع الحياة الريفية بطابعها الخاص، حتى بعد أن يطرأ تحول أساسي على نمط الملكية الزراعية، ولا يعود الملاك الإقطاعيون مسيطرين على أقدار الفلاحين؛ ذلك لأن التغير في النظم التشريعية أيسر وأسرع بكثير من تغير العقليات والعادات الاجتماعية. ومن هنا كانت العادات القديمة تظل مستحكمة في النفوس بعد فترة طويلة من زوال النظم التي أدت إلى ظهورها.
ولنقل، بعبارة أصرح، إننا في الوقت الذي قضينا فيه على الإقطاع من حيث هو نظام اقتصادي تتسم العلاقات الاجتماعية فيه بطابع معين، لم نستطع بعد أن نقضي على العادات الفكرية والاتجاهات المعنوية التي يولدها نظام الإقطاع. بل إننا حتى في حياتنا الحضرية قد انتقلنا إلى المدن حاملين تراثا كاملا من الأفكار والاتجاهات الريفية المرتبطة بعصور إقطاعية عميقة الجذور، فكانت النتيجة أننا أصبحنا في كثير من الأحيان نحيا حياة مزدوجة بالمعنى الصحيح، فنمارس في المدن أعمالا ترتبط في صميمها بالعصر الحديث، كإدارة دفة الأداة الحكومية، أو الاشتغال في مصنع أو شركة تجارية، ولكنا نمارس هذه الأعمال بعقليات وقيم موروثة من بيئة هي في صميمها ريفية، بل هي في صميمها إقطاعية.
ولا شك أن لهذا الازدواج أخطاره وأضراره، إذ إنه يحدث انفصاما معنويا في المجتمع، بين طبيعة الواقع الذي يعيش الناس فيه ونوع العقلية أو النفسية التي يواجهون بها هذا الواقع ويحاولون حل مشاكله. ولذلك فإننا حين ندرس العادات والاتجاهات العقلية التي ترتبط بالنظام الإقطاعي أو تتولد عنه، لا ندرس مرحلة غابرة من التاريخ، بل ندرس واقعا لا يزال يحيا بيننا حتى اليوم، وما زال يمارس تأثيره في سلوكنا على الرغم من اختفاء النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي أدى إلى ظهوره. فلنحاول إذن أن ندرس بشيء من التفصيل نوع العادات والقيم التي يولدها النظام الإقطاعي في المجتمع لكي تتضح لنا عن طريقها كثير من مظاهر عدم التوازن في حياتنا الراهنة، وتستبين من خلالها وسائل التخلص من هذا الاختلال. (4) السمات المعنوية للحياة في ظل الإقطاع
ومن الواجب أن تكون نقطة بدايتنا في دراسة السمات العقلية المتولدة عن نظام الإقطاع هي تلك الحقيقة التي أشرنا إليها من قبل، وأعني بها أن نظام الإقطاع مرتبط أساسا بالحياة الريفية الزراعية. ولا شك أن طول المدة التي ظل فيها الإقطاع سائدا في الريف قد أدى إلى تداخل وثيق بين العلاقات الاجتماعية الإقطاعية وبين نمط الحياة الريفية بوجه عام، بحيث يمكن القول إن قدرا غير قليل من معالم الحياة في الريف، كما نعرفها حتى يومنا هذا، قد تحدد عن طريق نظام الإقطاع، كما يمكن القول من ناحية أخرى إن السمات الرئيسية المميزة للعقلية التي تعيش في ظل الإقطاع قد تشكلت نتيجة لظروف البيئة الزراعية التي لا يسود هذا النظام إلا فيها. (1)
أولى السمات التي تلفت الأنظار في البيئة الريفية التي يسودها الإقطاع، والتي تؤثر تأثيرا قويا على العقليات في هذه البيئة: هي «بساطة نمط الحياة وبطء إيقاعها» وصحيح أن هذه سمة مشتركة بين كل المجتمعات الزراعية، ولكن نزوع المجتمع إلى الثبات ومحاربته للتجديد من الصفات التي تزداد وضوحا في المجتمع الإقطاعي على وجه التخصيص؛ ذلك لأن الإقطاع بطبيعته نظام راكد، يحرص أصحاب السلطة فيه على الاحتفاظ بنفوذهم وسيطرتهم، ويؤمنون - عن حق - بأن شيوع الاتجاه إلى التجديد في أي ميدان من ميادين الحياة الاجتماعية يمكن أن تنتقل عدواه إلى سائر الميادين؛ ومن ثم فإنه يهدد سلطتهم ذاتها بالخطر.
Halaman tidak diketahui