Aspek-Aspek Intelektual dalam Pelbagai Sistem Sosial
الجوانب الفكرية في مختلف النظم الاجتماعية
Genre-genre
والذي يهمنا الآن هو أن نلاحظ التحول الأساسي الذي طرأ على الرأسمالية، وعلى شخصية الرأسمالي ، منذ مرحلتها المبكرة حتى مرحلتها المكتملة. فقد بدأت الرأسمالية، في عهدها الأول، تشق طريقها بفضل روح المغامرة والبحث عن الجديد والكشف عن المجهول، وكانت الأعمال الاقتصادية الناشئة في ذلك العهد تسعى إلى تحقيق أكبر قدر من إشباع الحاجات الاستهلاكية للإنسان. أما عندما اكتملت خصائص الرأسمالية فقد انعدمت روح المغامرة، وأصبح رأس المال «جبانا» على حد التعبير الشائع، وتحولت المنافسة التي كانت من أبرز سماتها في البداية إلى احتكار يعمل على تخفيف حدة التنافس أو تنظيمه أو إزالته لصالح أصحاب الأعمال وضد مصالح المستهلكين. وبدلا من أن تعمل الرأسمالية على إشباع الحاجات الحقيقية للإنسان، فإنها أخذت تخلق لديه عادات زائفة لا هدف لها سوى أنها تؤدي إلى فتح باب جديد للربح، ولكن على حساب الاستخدام الرشيد لموارد المجتمع.
وعلى حين أن الرأسماليين كانوا في أول عهدهم أشخاصا يتسمون بصفات النشاط والمثابرة وتقديس العمل - أيا كانت عيوبهم الأخرى - لأنهم كانوا عصاميين يتولون إدارة أعمالهم بأنفسهم، أو يبتدعون الأفكار الجديدة التي تكفل نجاح أعمالهم، فإن الكثيرين منهم أصبحوا في المرحلة اللاحقة أشخاصا تأصلت فيهم عادات الترف المفرط، والتفنن في التبذير الماجن. وكانت هذه الصفات الأخيرة أوضح ظهورا لدى الرأسماليين الذين انفصلوا عن عملية الإنتاج، ولم يعودوا يرتبطون بمصانعهم أو يعرفون شيئا عما يتم فيها، بل يعهدون بها إلى مديرين أكفاء، ويكتفون هم بما ينالونه من أرباح.
وبالمثل، فإن الطبقة الرأسمالية أو البورجوازية التي كانت في أول عهدها تحارب امتيازات الأشراف والإقطاعيين، أخذت تكرس جهودها للمحافظة على نفوذها عندما تحققت لها السيطرة. بل إن الطبقة الجديدة كانت في بعض الأحيان تتداخل مع طبقة النبلاء الزراعيين القديمة بالمصاهرة، وتحاول محاكاة العادات الأرستقراطية العتيقة. وبعبارة أخرى، فإن الرأسماليين عندما أصبحوا هم أصحاب المصالح الحقيقية القائمة، أخذوا يتجهون إلى المحافظة على مصالحهم، وبعد أن كانوا في البداية يستخدمون «العقل» قوة ثورية، أخذوا يستعينون به في تبرير الأوضاع القائمة بطريقة يغلب عليها الطابع المحافظ. والواقع أن هذا التحول كان أمرا تقتضيه نفس روح المرونة والحركية التي كان يتسم بها المجتمع الرأسمالي، فهذه المرونة ذاتها كانت تحتم أن تتحول العناصر التقدمية في الطبقة البورجوازية، بمضي الوقت، إلى أسلوب محافظ في التفكير والحياة، ثم تظهر طبقة جديدة أكثر نشاطا وابتكارا، لتحتل مكانة الطبقة التي أصبحت محافظة، ثم تتحول هذه الجديدة بدورها إلى الطابع المحافظ، وهكذا. ولكن هذا الطابع المحافظ أصبح هو الطابع المميز للرأسمالية منذ اللحظة التي ظهرت فيها طبقة عاملة واعية تهدد مصالح الرأسماليين، أي منذ القرن التاسع عشر.
الأوجه السلبية في المرحلة الرأسمالية
ليس من الصعب أن ندرك أن التحول الذي طرأ على الرأسمالية، وعلى الطبقة البورجوازية، من قوة تقدمية تعمل على محاربة امتيازات الإقطاعيين الوراثية، وتؤكد انتصار العقل المنظم الواضح على الأفكار اللاعقلية الصوفية الغامضة التي سادت العصر الوسيط، إلى قوة رجعية لا تستهدف سوى المحافظة على مصالحها التي تزداد على الدوام توسعا وانتشارا؛ هذا التحول يمثل في ذاته وجها سلبيا إلى أبعد حد في النظام الرأسمالي؛ ذلك لأنه يدل على أن النظام لم يكن تقدميا إلا في مرحلته المبكرة، وعلى أن من شأن هذا النظام أن يتحول إلى الرجعية بمجرد أن تتحدد معالمه وتكتمل خصائصه.
على أن هذا ليس الوجه السلبي الوحيد للرأسمالية، بل إن عناصر الضعف والهدم تتغلغل في صميم بناء هذا النظام، وتجعل تجاوزه أمرا محتوما. وسوف نقتصر هنا على ذكر بعض الجوانب السلبية المرتبطة بالموضوع الذي نعالجه في هذا الفصل، وهو الوجه الفكري والمعنوي لمختلف النظم الاقتصادية. (1)
أول هذه الجوانب هو اللاأخلاقية. وربما بدا للبعض أن صفة اللاأخلاقية لا تصدق صدقا تاما على المجتمع الرأسمالي؛ لأن لهذا المجتمع نمطه الأخلاقي. وبالفعل يبدو هذا الحكم الأخير صائبا للوهلة الأولى؛ ذلك لأن الرأسمالية قد ولدت مذاهبها الأخلاقية الخاصة، مثل مذهب المنفعة
Utilitarianism
في إنجلترا، والبرجماتية
في الولايات المتحدة. ولكن الواقع أن كلا من هذين المذهبين الأخلاقيين إنما كان تعبيرا عن الطابع العملي لعصر التصنيع، وعن نوع من الأخلاق يقوم بحساب كل فعل تبعا لمقدار المنفعة المترتبة عليه، أو لمدى نجاحه العملي، بغض النظر عن أية قيمة كامنة في هذا الفعل. ومن هنا كانت هذه الاتجاهات في الأخلاق تعبيرا صادقا عن أشد نزعات المجتمع الرأسمالي تطرفا. وحقيقة الأمر في موقف هذا المجتمع من الأخلاق هو أنه لا يأخذ منها إلا بالقدر الذي يكفي لمساعدة النظام القائم على المضي في طريقه بنجاح. فنحن نجد بالفعل، لدى كثير من الرأسماليين، قدرا معينا من الفضائل، كالأمانة والانضباط والدقة ومراعاة المواعيد، ولكن هذه الفضائل لا تكتسب قيمتها إلا لأنها تفيد الرأسمالي وتحقق مصالحه، فقد تبين له بطول التجربة أن من مصلحته أن يكون في معاملاته أمينا دقيقا، وأن يسدد ديونه في مواعيدها، وأن يكون نظام حياته منضبطا. ومعنى ذلك أن كل هذه الفضائل ليست مقصودة لذاتها، بل إنه يراعيها لما فيها من المنفعة. وأبلغ دليل على ذلك أنه إذا كان من الممكن تحقيق نفس المنفعة عن طريق مجرد التظاهر بالأمانة، فإن الرأسمالي لا يتردد في سلوك هذا السبيل.
Halaman tidak diketahui