المُعتبرة، وتنبَّه النَّاسُ لإحياء هذه السُّنَّة بعد أن كادت تنقطع، فلزموه أشدَّ ملازمة، وصار من يأنف الاستفادة منه من المهملين يتسوَّر على خطِّه، فيستفيد منه، وما يدري أنَّ الاعتماد على الصُّحف فقط في ذلك فيه خلل كبير، ولعَمري إنَّ المرء لا ينبُل حتى يأخذ عمَّن فوقه ومثله ودونه، على أنَّ الأساطين من علماء المذاهب ومحقّقيهم من الشيوخ وأماثل الأقران البعيد غرضهم عن المقاصد الفاسدة غير متوقفين عن مسألته فيما يَعْرضُ لهم من الحديث ومُتَعلقاته، مرةً بالكتابة التي ضبطها بخطوطهم عنده، ومرَّة باللَّفظ، ومرَّة بإرسال السائل لهم نفسه وبغير هذا ممَّا يستهجن إيراد مثله، مع كونه أفرد أسماءهم في محل آخر، وطالما كان التَّقيُّ الشُّمُنِّي يحضُّ أماثَل جماعته كالنَّجمي بن حجي على ملازمته، ويقول: متى يسمح الزمان بقراءته، بل حضَّه على عقد مجلس الإملاء غيرَ مرَّةٍ، ولذا لما صارت مجالس الحديث آنسة عامرة منضبطة، ورأى إقبالهم على هذا الشأن وللَّه الحمد، امتثل إشارته بالإملاء فأملى بمنزله يسيرًا، ثم تحوَّل لسعيد السعداء وغيرها، متقيدًا بالحوادث والأوقات، حتى أكمل تسعةً وخمسين مجلسًا.
ثُمَّ توجه وعيالُه وأكبرُ إخوته ووالده للحجّ في سنة سبعين، فحجُّوا وجاوَرُوا، وحدَّث هناك بأشياء من تصانيفه وغيرها، وأقرأ "ألفية الحديث" تقسيمًا، وغالب شرحها لناظمها، و"النُّخْبة" وشرحها وأملى مجالس كل ذلك بالمسجد الحرام، وتوجَّه لزيارة ابن عباس ﵄ بالطَّائف رفيقًا لصاحبه النَّجم بن فهد، فسمع منه هناك بعض الأجزاء.
ولمَّا رجع إلى القاهرة شرعَ في إملاء تكملة تخريج شيخه لـ "الأذْكَار" إلى أنْ تمَّ، ثم أملى تخريج "أربعين النووي" ثم غيرها مما يقيَّد فيه، بحيث بلغت مجالس الإملاء ستمئة مجلس فأكثر، وممّن حضر إملاءه ممّن شهد إملاء شيخه: النَّجمُ بن فهد والشَّمس الأمْشَاطيّ، والجمال بن السَّابق. وممَّن حضر إملاء شيخه والولي العراقي: البهاءُ العلقميُّ، وممن حضر إملاءهما والزَّين العراقي: الشِّهابُ الحجازي، والجلال القمصي، والشهاب الشّاوي.
مقدمة / 23