الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما..
[الكهف: 1- 2] فإن في التركيب - حسبما يقول - تقديما وتأخيرا والأصل { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا } واستشهد لذلك من كلام العرب بقول جرير:
طاف الخيال وأين منك لماما
فارجع لزورك بالسلام سلاما
فالأصل: طاف الخيال لماما منك هو.. وهذا الذي اعتمده ابن جرير ونسبه إلى جماعة من أهل التأويل نسبه أبو حيان في البحر المحيط إلى مكي وقال: لولا جلالة قائله لنزهت كتابي عن ذكره ثم ذكر أبو حيان علو بلاغة القرآن وجمال أسلوبه في تركيب كلماته ورصف جمله فلا وجه للدعوى بأنه قدم فيه ما حقه التأخير أو أخر ما حقه التقديم وأضاف إلى ذلك بأن الله سبحانه وصف نفسه في الفاتحة بالربوبية والرحمة، وذكر فيها حمده وعبادته، ووصف الربوبية يقتضي استحقاق الحمد، ووصف الرحمة يقتضى استحقاق العبادة، وقد وضع كل واحد من الوصفين بجوار ما يلائمه.
هذا وضعف كلام ابن جرير أظهر من أن يحتاج إلى الكشف، فان عبارات القرآن الكريم لا يصح أن تحمل على خلاف الأصل إلا لأمر يقتضي الخروج عنه ولا داعي هنا للتقديم والتأخير، ولا يصح أن يحمل التركيب القرآني الذي هو أبلغ تركيب في الكلام على ما قد يضطر الشعراء إليه في شعرهم محافظتهم على الوزن والقافية، فإن للشعر أحكاما لا تكون حتى للكلام المنثور، وقد يفضى الإضطرار بالشعراء إلى الإتيان بتركيب ممجوج تأباه الفصاحة، نحو قول الفرزدق:
وما مثله في الناس إلا مملكا
أبو أمه حي أبوه يقاربه
وقد أجمع علماء البلاغة على رداءة هذا التركيب، فهل يصح أن يحمل عليه أو على مثله شيء من التركيب القرآنى الذى يتعالى عن الضرورات، ويعلو على كل العبارات، وأما قول الله تعالى في فاتحة الكهف
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما
Halaman tidak diketahui