189

وقيل: هو الاعتقاد الجازم في غير الحسيات والضروريات، ويعم الجزم بخبر الصادق والاعتقاد المبني على الأدلة والأمارات إن كان ثابتا لا شك فيه.

وفسره أئمة اللغة بأنه العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر. وقالوا: إنه نقيض الشك، كما أن العلم نقيض الجهل، ولعل هذا التفسير دعا بعض المفسرين من المتقدمين والمتأخرين إلى القول بأنه العلم بالشيء عن نظر واستدلال، أو بعد شك سابق.

والشك إنما يكون فيما يستوجب النظر، وعليه فيكون اليقين أخص من الايمان ومن العلم. واحتج بعضهم لذلك بقوله تعالى:

كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم

[التكاثر: 5 - 6].

ومن ثم لا يطلق الايقان على علم الله ولا على العلوم الضرورية، وبناء على هذا فإن إيثار مادة الايقان في ذكر الايمان بالآخرة لما فيها من الاشعار بأن علمهم بالآخرة ناتج عن كد الفكر وسعة التأمل في الاستدلال، لأن الحياة الأخروية حياة غائبة عن الأبصار وسائر الحواس، غريبة على الأفكار المنغلقة بين جدران الحس، وقد تراكمت على هذه الأفكار شبه جمة حالت بينها وبين إدراكها حالة الدار الآخرة، وهي مناسبة جديرة بالاعتبار في اقتناص دقائق أسرار التعبير القرآني وقد نبه عليها أحد أئمة التفسير الحاذقين.

وبناء على ما ذهب إليه الامام محمد عبده من التفرقة بين الطائفتين الموصوفتين في الآيتين، وأن الأولى كانت على إيمان جزئي، والثانية هي التي آمنت الايمان الكلي، قال ما معناه:

وصفت هذه الطائفة التي اكتمل إيمانها بالإيقان بالآخرة، لأنهم مؤمنون بالقرآن، بخلاف الأولى فإنها كانت فقط على جزء من الايمان، وهي في طريقها إلى الايمان الكامل لما أوتيت من الاستعداد لذلك.

وقد عرفت مما تقدم أنني أرجح رأي من يقول إن جميع الصفات الواردة في الآيتين هي لموصوف واحد، وهو الطائفة المؤمنة.

واليقين هو أساس الايمان الذي لا يقوم إلا عليه، فإن إيمان من يعتمد على مجرد الظن إيمان متزلزل لا ثبات له، فهو منهار الأسس منهد الأركان، ولذلك قال سبحانه في اعتقاد بعض الناس:

Halaman tidak diketahui