163

وقول الأعشى:

لها حارس لا يبرح الدهر بيتها

وإن ذبحت صلى عليها وزمزما

ويرى ابن جرير أن الصلاة نقلت من هذا المعنى اللغوي إلى معناها الشرعي - وهو العبادة المخصوصة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، المشتملة على القيام والقعود والركوع والسجود مع التلاوة والتسبيح والتعظيم - لأن المصلي متعرض لاستنجاح طلبته من ثواب الله لعمله مع ما يسأل ربه فيها من حاجاته؛ تعرض الداعي بدعائه ربه لاستنجاح حاجاته وسؤله.

وذهب بعض المفسرين إلى أنها مأخوذة من اللزوم من قولهم: صلي النار. ومنه قوله تعالى:

تصلى نارا حامية

[الغاشية: 4] وذلك لأن المصلي يلازم العبادة حسب ما أمره الله، وقيل: هي مأخوذة من تصلية العود بالنار لأجل تقويمه وتليينه، لأن المصلي يقوم نفسه بخشوعه وخضوعه في الصلاة، وذهب الزمخشري إلى أنه مأخوذ من الصلا وهو عرق في الظهر يفترق عند عجم الذنب فيكتنف جانباه الوركين، ويسميان الصلوين، وهذا لأن المصلي يحرك صلويه في ركوعه وسجوده، وتابعه على رأيه جم غفير، غير أن الفخر الرازي بالغ في انتقاد قول الزمخشري، مدعيا أن كلامه يفضي إلى طعن عظيم في كون القرآن حجة، وذلك لأن لفظ الصلاة من أعظم الألفاظ شهرة، وأكثرها دورانا على ألسنة المسلمين، واشتقاقه من تحريك الصلوين من أبعد الأشياء عن الاشتهار فيما بين أهل النقل، ولو جوز أن يكون ذلك أصل مسمى الصلاة، ثم خفي واندرس حتى صار لا يعرف إلا عند الآحاد، لكان مثله جائزا في سائر الألفاظ، ولو جوز مثل ذلك لما جاز القطع بأن مراد الله تعالى من هذه الألفاظ يتبادر إلى الأذهان من المعاني، لاحتمال أنها كانت في زمن الرسول ذات معان أخر، وهي المرادة منها، ولما بطل ذلك بالإجماع بطل الاشتقاق الذي ادعاه الزمخشري.

وتعقبه ابن عاشور بأنه لا مانع من أن يكون لفظ المشهور منقولا من معنى خفي لأن العبرة في الشيوع بالاستعمال، وأما الاشتقاق فبحث علمي، وعضد ذلك بقول البيضاوي واشتهار هذا اللفظ في المعنى الثاني مع عدم اشتهاره في الأول لا يقدح في نقله منه وأيد ابن عاشور قول الزمخشري بأن الصلاة مأخوذة من الصلا بما معناه أن كتابة الصلاة في المصاحف بالواو تشير إلى اشتقاقها من الصلا، إذ لو لم تقصد الاشارة إلى ذلك لما كان وجه لكتابته بالواو، وإنما ذلك نظير صنيعهم في كتابة الزكاة والربا والحياة بالواو إشارة إلى أصلها، وانتقد ابن عاشور توجيه الزمخشري في كشافه كتابتها بالواو بأنها ورادة على لفظ المفخم، أي لغة تفخيم اللام من حيث لم يصنع مثل ذلك في غيرها من اللامات المفخمة.

وقيل: هي مأخوذة من المصلي في حلبة السباق، وهو يأتي بعد المجلي، وقد روعي في هذا الأخذ مجيئها تالية للركن الأول من أركان الاسلام، والمجلي هو الأول من الخيل في حلبة السباق، والمصلي الذي يليه، لأنه يأتي ورأسه بين صلوي سابقه.

ولا يتبادر من هذه الآراء إلا الأول وهو أنها مأخوذة من الصلاة التي هي الدعاء، لأن كلا من الداعي والمصلي لاجىء إلى الله عز وجل، راج منه الفوز بالمطلوب والوصول إلى المحبوب، وأرى أن سائر الأقوال لا تخلو من تكلف، وإذا كانت كتابة الصلاة في المصاحف بالواو تشير - حسبما يقول ابن عاشور - إلى أصل اشتقاقها فإن هذا لا يدل على صحة هذا الاشتقاق بحيث لا ينازع فيه، فإن الكتابة لا تعدو أن تكون اصطلاحا ناشئا عن اجتهاد بعض السابقين، وقد تابعهم عليه من جاء بعدهم، وذلك لا يقتضي أن ما اصطلحوا عليه حجة قاطعة في بيان أصول الاشتقاق، ولو كان الأمر كذلك لاتفقت كلمة مفسري السلف على ما تقتضيه هذه الاشارة المزعومة من أن الصلاة من الصلا، وقد علمت مما تقدم أن آراءهم تخالف ذلك، ولعل الزمخشري لم يسبق إلى المذهب الذي اختاره، فكيف يكون أمر اصطلحوا عليه دليلا على خلاف ما ذهبوا إليه؟

Halaman tidak diketahui