قال ابن العراف: قال أئمة الدين وأرباب الورع كالرافعي وغيره: الناس في هذا الوقت مجمعون على أنه لا مجتهد مستقل، وعزيز وجود المجتهد المقلد، -يعني به مجتهد المذهب-، وهو المخرج على مذهب إمامه، وما أبعد ما قالوا؛ لأن الله سبحانه يقول: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، بالبينات والزبر}[النحل:43،44]، وهذا خطاب عام للمكلفين في كل عصر من الأعصار؛ لقوله تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ}[الأنعام:19]، وهذا دليل واضح على أنه لا بد من مجتهد في كل عصر؛ لأن المصنفين ممن مضى لم يستغرقوا كل الأحكام في مصنفاتهم، لو قيل: إن أتباعهم هم أهل العلم بالبينات والزبر، مع أن ذلك في غاية السقوط والبطلان؛ لأن المقلد غير عالم بما قلد فيه وإنما معه ظن فقط، فلما لم يكونوا مستغرقين لجميع الأحكام في مصنفاتهم وجب أن يكون ممن يتمكن من معرفة ما عدا ذلك، ليجيب السائلين الذين أمرهم الله بسؤال أهل الذكر وإلا اختل معنى الآية وفائدتها، وقولهم بالاختلال أحق وأولى؛ لأنها من جملة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ ولأنها قول الله، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وقد تواتر من السنة ما يدل على أنه لا تخلو الأعصار من المجتهدين، قال صلى الله عليه وآله: ((إني تارك فيكم...)) الخبر إلى قوله: ((لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) ونحو ذلك كثير.
Halaman 60