181

فصرخت: ذلك ظلم بين، أنا لا أكاد أجد قوت الأولاد. - ليتك تمالكت أعصابك. - أخطأت، ولكن لي عذري، ترى هل تبلغ حكاية القرض مسامع سعادة المدير العام؟

فقال الكهل بثقة: لا يجرؤ أحد في المصلحة على إبلاغها له.

رغم أحزاني جميعا؛ فإن ثقتي بالله لم تتزعزع، وقلت لنفسي إنه - جل جلاله - سيخرجني من أحزاني كما أخرج يوسف من سجنه، وبقدر ما حل بي من سوء تماديت في تخيل السعادة الموعودة وآمنت بإقبالها القريب، وانتظرت طويلا ثم ذهبت إلى كاتب الوارد بمكتب صاحب السعادة لأسأله عما تم في شكواي، فقال لي بجفاء مجهول الأسباب: إني أخصص يوم الخميس للاستفسارات.

وكان اليوم الأحد، ولكني كنت قد لقنت الحكمة في إدارة التحقيقات فرجعت بلا تعقيب، وشكوت حالي إلى رئيسي فمضى بي إلى وكيل المخازن، وهو صديق رئيسي وقريب لكاتب الوارد، فقبل الرجل أن يتلفن إلى قريبه مستفسرا عن شكواي، ولبث يصغي إلى كلامه غير المسموع لنا، ثم أعاد السماعة وقال: آسف، لقد حفظ الطلب!

اغتالني الخبر فسقطت آمالي جثة هامدة، وقلت وأنا مطمور تحت الأنقاض: هل عرض الطلب على سعادة المدير العام؟ - طبعا، هو الذي أمر بالحفظ. - مستحيل!

فابتسم الرجل بلا تعليق فقلت: كنت أتوقع أن يدعوني لمقابلته!

فحدجني الرجل بنظرة غريبة دون أن ينبس، وعدت مع رئيسي وأنا أقول: لا أصدق.

فقال الكهل بنبرة مواسية: ولكنه المصير المحتوم لجميع الشكاوى. - ولكنه أوعز إلي بكتابتها. - ما زلت أعتقد أنك كنت ضحية رجل مهذار. - كلا ... كلا. - إذن فلعله نسي، وشواغل المدير تنسي. - والعمل؟ - سلم لله أمرك.

ولكن الإصرار كان قد ملك علي أمري، وبكل همة رحت أتحرى مواعيد المدير وحركاته وسكناته، وقررت ألا أذعن للقوة الباغية ولا للأوامر المكتبية العمياء. •••

وتحركت سيارة المدير لتنتظره أمام العمارة، وقف البواب والسعاة صفين بالإضافة إلى شرطي الحراسة، وكنت متواريا وراء لافتة كبيرة في المدخل سجل عليها دعوة لمزايدة، وترامت من ناحية الفناء ضجة وتراءى موكب المدير قادما، وعندما حاذاني في سيره بسملت ثم وثبت نحوه لأجثو بين يديه مستعطفا.

Halaman tidak diketahui