فقال بتلقائية وبساطة: أنا مدير المصلحة!
صعقني قوله فتشنجت أطرافي، وسرعان ما انحنيت بطريقة آلية كرد فعل سريع للشحنة الكهربائية التي بعثها شخصه في كياني المتهالك، وقلت بخشوع: لا مؤاخذة يا صاحب السعادة.
فقال بعدم اكتراث: تقدمني.
اعتبرت أن السماء فتحت أبوابها في وجهي وأغدقت علي بركة ورحمة باختياري مرشدا لسعادته، وتقدمته في رشاقة، من مكان لمكان، واصفا الموقع، معددا المزايا، مستجديا نظراته الكريمة إلى الحجرات والأبهاء والردهات، مشيرا بمنتهى الذوق واللباقة إلى المرافق، وتطوعت قائلا: أعتقد يا صاحب السعادة أن الدور الثالث هو أليق الأدوار بمقامكم؛ فهو مرتفع لدرجة لا بأس بها تعتبر مانعا حاسما لضوضاء الطريق، وفي الوقت نفسه لا تعد مشكلة في الصعود أو النزول في حال تعطل المصعد.
وفي فرصة تالية قلت: الركن البحري ذو مزايا جغرافية لا يستهان بها فالطريق يحده من جهتين، أما الجهة الثالثة فتقع بها محطة بنزين منخفضة، فهو ممر دائم للهواء وضوء الشمس.
وفي فرصة ثالثة قلت مشيرا إلى أضخم حجرة: هذه حجرتكم، وممكن وصلها بالحجرة التالية، بهدم الجدار لتتسع للاجتماعات، وشق باب في الجدار القبلي ليفتح على السكرتارية الخصوصية.
وقرأت أثر ذلك كله في وجهه السمح رضا وارتياحا، ورجعنا إلى الفناء بعد جولة سعيدة موفقة، وأنا ثمل بإلهام سماوي من عنف الفرح.
وتفضل سعادته فسألني: وأنت في أي إدارة؟
فقلت متلقيا طاقة النجاة ببراعة: كاتب بالأرشيف يا صاحب السعادة، كاتب منسي، ولي شكوى قديمة ...
ولكنه قاطعني قائلا: فيما بعد ... فيما بعد.
Halaman tidak diketahui