الحافظ ابن حجر المُسَمَّى بـ " الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة " أخذه من ذلك المقيم المقعد، إذ يرى أنَّ العالم الجليل الذي هو زينة عصره وتاج دهره، كان لا يأمن على نفسه من الإفك عليه، والسعاية به فيما يكفرُه ويُحِلُّ دَمَهُ، حتى صار يخشى على نفسه من أخذت منه السن، وأقعده الهرم، وأفلجته الشيخوخة، ولا مِنْ رَاحِمٍ أَوْ مُنْصِفٍ - كما تقرأ ذلك في ترجمة علاء الدين العطار تلميذ الإمام النووي، وأنه مع زمانته، وكونه صار حِلْس بيته، يتأبط دَائِمًا وثيقة أحد القضاة بصحة إيمانه وبراءته من كل ما يُكَفِّرُهُ، ولقد أريقت دماءٌ مُحَرَّمَةٌ، وعذبت أبرياء بالسجون والنفي والإهانات باسم الدين، وروعت شيوخ وشبان أَعْوَامًا وسنين، حتى عَجَّ لسان حالها وقالها بالدعاء إلى فاطر الأرض والسموات، بكشف هذه الغمم والظلمات، ولم يزل سبحانه يملي لها ويستدرجها في غَيِّهَا، ولم تحسب للأيام ما خُبِّئَ لَهَا فِي طَيِّهَا، إِلَى أَنْ امْتَلأَ إِنَاؤُهَا، وحان حصدها وإفناؤها، فأخذها الله وهي ظالمة جائرة، ودارت على دولتها الدائرة، وَمَحَقَ اللهُ بفضله تلك الدولة المجنونة الجاهلة، وأورثها للدولة الصالحة العاقلة، فَأَمَّنَتْ النَّاسَ على أنفسها ودمائها، وذهبت عصبة الجمود بزبدها وغثائها.
سيقول بعض الناس مِمَّنْ تَغُرُّهُ القُشُورُ، ولم تقف مداركه على لباب روح العصور: إنَّ تلك الدماء المراقة والأرواح المُهْدَرَةِ، لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهَا إِلاَّ بِالبَيِّنَةِ
1 / 40