أولئك الأعلام المُبَدِّعِينَ؟ لاَ جَرَمَ أنه لأمر ما عُنِيَ البخاري ومسلم بالتخريج عنهم، وأخذ السُنَّةَ منهم، وتبليغها لِلأُمَّةِ، وجعلها حُجَّةً بينه وبين رَبِّهِ، وما ذاك إلا إجلالًا لفضلهم، وإنصافًا لقدرهم.
انظر كيف يتحمل مثل البخاري عن أعلام الشيعة، والمعتزلة، والمرجئة، والخوارج، ويجعل حديثهم حُجَّةً، وَمَرْوِيُّهُمْ سُنَّةً، ويفخر بذكر أسمائهم في أسانيده ويخلد لهم أجمل الذكر، في أشرف مُصَنَّفٍ. انظر هذا وقابل بينه وبين جمود المتأخرين، ورميهم علماء الفرق بالفسق والابتداع والضلال، وَهَجْرِهِمْ لِعُلُومِهِمْ، وَصَدِّ النَّاسِ عَنْهُمْ، حتى فات الناس - وَا أَسَفًا - عِلْمٌ جَمٌّ، وخير كثير، ولئن دُوِّنَ مَا دُوِّنَ من معارفهم، فما بقي من فوائدهم في خزائن صدورهم مِمَّا كان يستثار بالأخذ عنهم، وينال بمجالسهم - أوسع وأوفر، أفليس في جمود هؤلاء على ما ذكر عقوق لسلفهم الصالح؟ بلى! وما يضرون إلا أنفسهم لو كانوا يشعرون، بما ذكرناه استبان لك الخطأ في نبز رُوَّاةِ الصحيح بالفسق والابتداع، وأنه تعصب يجب التنبيه له والحذر منه. نحن إنما نصدع بهذا - تَفَقُّهًا مِنْ مَشْرَبِ البخاري ومذهبه، وموافقة له في رأيه الذي لا شك في أنه الصواب الذي تدعو إليه الأُخُوَّةُ الإيمانية، والإنصاف مع كل رَاوٍ مجتهد من هذه الأُمَّةِ لا يروم إلا الحَقَّ، ولا يسعى
1 / 22