يعاند الحق مع علمه به، وهذا لا يكاد يَتَّفِقُ، وإن تَوَهَّمَهُ من لا علم له. اهـ.
فترى من العجب بعد ما ذكرناه أن يُوسَمَ بالفسق من لا يحل وَسْمُهُ بِهِ؛ لأن معناه لا ينطبق عليه بوجه ما، على أنه ورد تسمية رُوَّاةِ الحديث خلفاء فيما رواه الطبراني والخطيب وابن النجار وغيرهم عن عَلِيٍّ مرفوعًا «اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفائِي الذِينَ يَأتُونَ مِنْ بَعْدِي، يَرْوُونَ أحادِيثي وسُنَّتِي ويُعَلِّمُونَها النَّاسَ».
إذا علمت هذا فماذا يقال في هؤلاء المُفَسِّقِينَ؟ أجهلوا المعنى العُرْفِيَّ للفسق، أم تجاهلوا؟ أم اجتهدوا فأداهم اجتهادهم أم قَلَّدُوا؟ لا غَرْوَ أنهم جهلوا وَقَلَّدُوا، ويا ليتهم قَلَّدُوا إِمَامًا مَتْبُوعًا، بل قَلَّدُوا أواخر المقلدة الجامدة المتعصبة. ولو نظروا في تراجم الرجال، وتدبروا سيرة كثير من أولئك المُبَدَّعِينَ الأبطال، لعلموا أن رميهم بالفسق يكاد أن يهتز له العرش. خذ لك مَثَلًا من شيوخ المعتزلة عمرو بن عبيد، وانظر في ترجمته إلى زهده وتقواه. قال الذهبي في " الميزان ": «وقد كان المنصور الخليفة العباسي الشهير يخضع لزهد عمرو وعبادته يقول شعرًا:
[كُلُّكُم يَمْشِي رُوَيْد] * ... * ... * كُلُّكُم يَطْلُبُ صَيْد
غَيْرَ عَمْرِو بن عُبَيْد
وذكر ابن قتيبة في " المعارف " أن المنصور رَثَى عمرو بن عبيد فقال شِعْرًا:
1 / 18