إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ...
ترن كلمة «الأنثى» في أذنيها كأنما تسمعها لأول مرة. يضم فمه وهو ينطق الضمة فوق الألف. تتكور شفتاه كأنما يبصق. يمسح فمه بكم ثوبه.
يدب الصمت في الفصل. تنكمش كل بنت داخل التخت. يغلق الكتاب وينهض. يمشي بين الصفوف عيناه تبربشان. يمد أنفه بين الرءوس يتشمم، كالقط. تنتصب الشعيرات في فتحتي أنفه. شفتاه منفرجتان، يتمتم بصوت خافت كحفيف الهواء. - الأنثى ... الأنثى ...
يخرج طرف لسانه مع حرف الثاء. ينفتح فكاه عن أخرهما وهو يمد الألف بعد الثاء. يتثاءب وعيناه مغلقتان، ثم يفتح عينا واحدة يطل منها «النني» مستديرا صغيرا يدور حول نفسه ويتذبذب كالبلية السوداء. يرمق النهدين الصغيرين الصاعدين الهابطين تحت مريلة المدرسة.
تلف كل بنت ذراعيها حول صدرها. تحكم إغلاق ركبتها. تنكمش داخل جسمها. تخفي رأسها تحت الدرج. تلهث بصوت مكتوم كالنشيج.
يتوقف عندها وهي جالسة، مشدودة الظهر. يداها فوق التخت. عيناها مفتوحتان رموشها ثابتة لا يطرف لها جفن.
يلسعها على يدها بالعصا: غضي الطرف يا بنت! - اطرقي برأسك! - لا ترفعي عينيك في عيني!
عيناها مفتوحتان مرفوعتان. صوت أمها في أذنيها منذ ولدت. كاللحن القديم يسري في عروقها مع الدم. حروفها منقوشة فوق الورق تحت ضوء القمر. - أنا لا أخاف. - يا من تحارب المعرفة وتغلق العيون. - أنا لا أخاف.
تنهال العصا الخيزران فوق يديها وذراعيها. تسمع اللسعات في الهواء. لا تشعر بالألم. ترى العلامات الحمراء فوق اللحم تتلوى كذيول السحالي. قطرة دم تسقط فوق البلاط. تلمع تحت الضوء كالقرص الذهبي. تمسحها بكعب حذائها وترفع رأسها. تمشي بين صفوف التلميذات والتلاميذ. طويلة القامة ممشوقة الجسم. يحملونها فوق الأعناق. رأسها يلامس السماء. تضع قدمها فوق قمة هرم خوفو وتهتف: يسقط الشيخ بسيوني. - يسقط الملك والإنجليز. - يسقط! يسقط! يسقط!
تمتلئ الشوارع بالناس. تخرج النساء من البيوت والأزقة. تنفتح أبواب المدارس. تتدفق منها الأجسام. أطفال بالمرايل، وشباب، وبنات وأولاد، والعجائز أيضا جاءوا يدقون الأرض بالعصي الخشبية. رجال ونساء. وجوههم مكرمشة. عيونهم رمادية تترجرج من وراء الزجاج، والقطة تركت صفيحة القمامة وأقبلت تجري، ومن خلفها الجرو الصغير الأعرج، والكلاب الضالة، والأطفال الراقدون فوق الرصيف في حضن الأم، والشحاتون، وباعة الصحف، والعساكر الواقفون كالأعمدة الخشبية وجوههم للحائط، وبنات الليل السارحات في الليل بوجوه كالطباشير، والطوابير الواقفة أمام الفرن في أجساد متلاصقة ممدودة حتى الأفق، والهتاف يسري في أذنيها كهدير الشلالات. - يسقط! يسقط! يسقط!
Halaman tidak diketahui