Aspek Emosi Islam
الجانب العاطفي من الإسلام
Genre-genre
إساءة المسلمين إلى دينهم وأنفسهم بالغة الشدة، وقد تتابعت هذه الإساءات فى الأعصار الأخيرة واتسع نطاقها، وفشت بين الخاصة والعامة جهالات غريبة بالدين، وجهالات أغرب بالحياة العامة، فإذا الأمة التى بقيت دهرا طليعة مرموقة ترجع القهقرى، وتلاحقها الهزائم، ويهون وجودها عليها وعلى الآخرين فهى كما قيل: ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود!! إنها ما أحسنت العمل بحقائق دينها ولا أحسنت العمل بشئون دنياها، فلم يكن بد من مواجهة هذه العقبى. إن الذى يجهل قواعد اللغة لا يحسن البيان، والذى يجهل أركان الصلاة لا يحسمن العبادة، وكذلك الذى يجهل شئون الحياة لا يحسن الإفادة منها ولا التبريز فيها. والعلم ضربان : علم مصدره الوحى، وهو محصور الدائر، واضح الحدود. وعلم مصدره النشاط الإنسانى ومكابدة الحياة نفسها، واستكشاف قواها وأسرارها، وهو علم واسع الدائرة رحب الآفاق. وفى النوع الأول من المعرفة، حسب المرء أن يدرس ما جاء من السماء ليعمل به العمل الصحيح. أما النوع الآخر، فإن السماء تركتنا له وتركته لنا، فلم يجئ وحى يعلمنا فنون الصناعات وألوان الحرف وإنما خلانا الله وشأننا نتكلف ذلك ثم نوجه ما نملك من أمور الحياة الوجهة الصالحة، ونسخره لدعم الرسالة التى اصطفانا لها. ومن المؤسف أن أقدام المسلمين زلزلت فى كلا الميدانين، فوعيهم لكتاب الله وسنة رسوله ضعيف، وفقههم لظواهر الحياة وبواطنها أضعف، وتوجيه الحياة وخبراتها وملكاتها لخدمة دينهم أشد ضعفا. وليس من العبادة انتظار نجدة من السماء لتغيير هذه الأحوال. إننا من الناحية العامة بشر كسائر البشر. لنا ما للناس من أسماع وأبصار وأفئدة. 0 ص 9 فلماذا تتعطل حواسنا وأفكارنا، وتنطلق حواس الناس وأفكارهم فى كل مجال؟ لماذا تمس أصابعهم الأشياء فتجود، وتمسها أصابعنا فتضطرب؟ لقد كان الناس عالة على آبائنا فى النواحى الأدبية والمادية جميعا فما الذى عرانا حتى أصبحنا لا نحسن استخراج المعادن من أرضنا، ولا بناء السدود والجسور على أنهارنا، ولا تشكيل الآلات وتركيبها فى مصانعنا،. ولا تطويع أدوات الحرب والسلم لحاجتنا...؟ الحق أن القدرة على الإحسان أعوزتنا، وأن أسباب هذه القدرة فى أيدينا لو أردنا. إن الله أحيا المسلمين على هذه الأرض كما أحيا غيرهم من الأمم، وإذا كان قد اختص المسلمين بوحى سماوى جليل القدر، بعيد الأثر، فهو لم يختصهم بمعرفة أرضية ترجح كفتهم على سواهم. وعليهم أن يعانوا فى ذلك ما يعانى غيرهم، وأن ينتفعوا بتجاربه. وكل تفريط فى هذا الميدان معناه أولا انخفاض مستواهم الفكرى والمادى، ومعناه آخرا قصور الوسائل التى تنجح رسالتهم، وتحقق غايتهم. وعندما ينضم إلى هذا العجز، عوج فى فهم الدين نفسه، واسترخاء في إجابة عزائمه فهنا الطامة. إن للإحسان جزاءين، أحدهما آجل فى الدار الآخرة، ولا كلام لنا فيه الآن، والآخر عاجل تلقاه الأمم فى حاضر أمرها وتبلوه عيانا. قال جل شأنه: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). وقال جل شأنه: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) . وقال : (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان). والإحسان كما شرحنا لا يتجزأ، كما أن الصدق مثلا لا يتجزأ. فليس 080 صادقا من يتعمد الكذب فى نصف أخباره، ويتحرى الصدق فى نصفها الآخر. بل من الصعب تصور أن فضيلة الصدق تكونت لدى هذا الإنسان. وليس محسنا من تراه فى نصف أعماله ردئ التصرف غبى السلوك، وفى نصفها الآخر مجيدا، مستحب السيرة. بل، بعيد أن يوجد هذا الصنف المختلط، فإن الفضائل لا تتجزأ. والإحسان عمل ما من الأعمال المعتادة صورة واحدة يعرفها المؤمن والكافر على سواء، إذ أساس الإحسان فى هذه الأعمال إيقاعها وفق القوانين المقررة لها فى دنيا الناس. فالجراحة التى يجريها طبيب مسلم هى هى التى يجريها طبيب شيوعى أو وجودى، أو يهودى. ويمكن الحكم عليها أو لها من الناحية العلمية الخالصة. ووصفها بالحسن أو القبح لا مرجع له إلا هذه الأصول الفنية المتدارسة بين أجناس البشر، وليس يقبل من أحد مهما كانت نحلته أن يقصر فى هذه القواعد المتواضع عليها. والفارق بين صدور هذه الجراحة من رجل مسلم، وبين صدورها من شخص آخر، أن المسلم لا تفوته فى أى عمل نية الخير، ولا تنفك عنه صلته بالله ، وقصد وجهه فيما يأتى ويترك... أى أن صورة العمل المشتركة لا تفاوت فيها بين المسلمين ومخالفيهم فى العقائد والوجهات. أما الصورة النفسية الباطنة فهى تختلف بين هذا وذاك. والمسلم من الناحية الدينية لا يسمى محسنا إلا إذا استجمع الكمال الحسى فيما أدى من عمل، والصفاء النفسى أعنى قصد الله فيه. وليس يقبل منه بتة مهما صلحت نيته أن يسئ أو يقصر، أو يترخص، أو يتجاوز، اتكالا على هذه النية الكاملة. فإذا شرك المسلمون غيرهم فى أحوال الحياة وشئون الدنيا وفق هذه القواعد فيجب ألا تنسى شيئا آخر انفردت به الجماعة الإسلامية وهو العبادات المحض التى كتبت عليهم وطولبوا بأدائها. إن الإحسان أن نقوم بها كافة على وجهها المشروع، كما أثرت عن صاحب الرسالة، متحرين فى صلاتنا وزكاتنا وصيامنا وحجنا أن نتأسى به، وأن نلتزم سنته. وقد شرح القرآن الكريم أن الإحسان بهذا الشمول طريق التمكين فى الحياة، والاستيلاء على أزمتها، وملئها باليمن والبركة. 081
Halaman 71