Janaqu Paku Bumi
الجنقو مسامير الأرض
Genre-genre
قلت له: نعم. - نازلين في بيت الأم؟
قلت له: نعم.
ابتسم ابتسامة عريضة، أظهرت أسنانا متفرقة بنية؛ بفعل التسوس والصعوط، فسر صاحبي هذه الابتسامة بأنها نوع من السخرية، أو الشماتة، وحكى لي ما سماه كل شيء حدث بينه وبين الصافية، حتى يغلق هذا الباب على الأقل من جهتي.
سبعة يوم عوضيه بيي
البلد، ويقصد الحلة، لم يكن بها في الماضي سوى المرافعين، الحلوف، أبو القدح والقرود والثعالب، وفي كل مكان تلقى الجنون، في الكرب، وطرف البحر، وحتى في باطن الحلة، ساكنة مع الناس، الحلة كانت عبارة عن بيت واحد كبير جدا مزروب بالشوك، بيت طوله نحوى ألف متر وعرضه أكثر من ذلك بكثير، ومحروس بالكلاب وهو بيت الصافية الحبوبة، في الداخل كان مقسما لبيوت كثيرة، كلها قطاطي من القش، والقصب، ورواكيب كبيرة من حطب الكتر والدهاسير، وفي المنتصف توجد مطامير الذرة، والدخن، وخمارات الكول، كل الجدد القادمين إلى الحلة يجدون لأنفسهم براحات يبنون فيها قطاطيهم داخل هذا الحوش الكبير.
أما العابرون إلى جهات إثيوبيا، وإريتريا، أو الصعيد، الذين أتى بهم الطريق فإنهم يستضافون في ديوان الجدة الصافية، حيث توجد زاوية الصلاة، وسبيل للمياه والمستراح؛ وهو عبارة عن حفرة معروشة بالحطب القوي والقش تستخدم كمرحاض، وقد عبر بهذا الديوان حجاج جاءوا من تشاد، نيجيريا، النيجر والكاميرون، وحتى مغاربة بيض الوجوه لهم ذقون ولحى طويلة شقراء، استراحوا هنا، وهم يمضون نحو باب المندب إلى اليمن ثم إلى مكة، كان بعضهم يقيم لأكثر من عام فيتخذ لنفسه أرضا، يقوم بفلاحتها وزرعها بالسمسم والدخن، وقد يتزوجون وينجبون الأطفال، منزل واحد كان مركز الدنيا، وامرأة واحدة كانت سمعتها تملأ الشرق كله، وقد نقل سيرتها الحجاج إلى بيت الله الحرام بمكة، ولما رجعوا لأهلهم حكوا لهم عنها كذلك، في الحقيقة ما كانت الصافية الجدة هي مؤسسة هذا النزل، ولكنها الأشهر بين صافيات كثيرات عشن في هذا المكان، سلالة جد جاء هاربا من سجن في الحمرة في سنة موسومة بسنة النجمة أم ضنب التي لا تظهر إلا في السنوات التي سوف تشهد أحداثا عظيمة، كان نجما كبيرا تبختر في السماء بذيله الطويل لأسبوع كامل، جدها «اتهم» في إثيوبيا بسرقة بيت «القشي» نفسه، وسيقتلونه بالتأكيد ضربا، أو جوعا، المسجونون في ذلك الزمن الغابر يخرجون في مجموعات.
يربطون في حبل واحد من التيل، يطوفون بالأحياء والأسواق والمطاعم، يأكلون البقايا، ويسألون الناس الطعام والمال، التباكو والصعوط، وهي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الحياة، وتجنب الموت جوعا، فالسجن ليس مسئولا عن طعام المساجين، يكفي أنه يوفر لهم سقفا يقيهم المطر وحر الشمس، كان الجد عبد الرازق مع بعض أصدقائه في مطعم بالحمرة، قرب سوق همدائييت، وهي سوق يؤمه لفيف من السودانيين للبيع والشراء، ولأنهم يأتون عن طريق همدائييت عابرين نهر سيتيت؛ فقد سمي بهذا الاسم، كانوا يتناولون الزقني بالأنجيرا والشطة الدليخ، وهي وجبتهم المفضلة في إثيوبيا، عندما رأى توأمه عبد الرزاق مربوطا من قدميه في حبل من التيل مع عشرين من المساجين كانت حالته بالبلا، ووجهه أصبح عظاما من الجوع، تفوح منه رائحة كريهة، احتضنا بعضهما البعض إلى أن فرق بينهما السجان والمسجونون المتعجلون؛ حيث إن زمن البحث عن الطعام لا يمكن تضييعه في علاقات اجتماعية لا فائدة ترجى منها، وتكلما بلغة تخص قبيلتهما، ثم أعطى توأمه طعاما ومالا ووعدا صادقا، يعرف عبد الرزاق عن توأمه أنه خجول وعديم الحيلة، ولا يمكن أن يسرق شيئا مهما صغر وأهمل، ويعرف أيضا أن عبد الرزاق قد يموت بالسجن إذا لم ينجده، الحبشة بلد غربة، وهو لا يعرف رجلا مسئولا، أو وجيها إثيوبيا يستعين به، وحتى صاحبة البار التي كان دائما ما يختلف إليها، قالت له عندما حدثها عن محنة أخيه وتوأمه: لا، القشي حيقتلني، وهو ليس لديه مال للرشوة، أمامه بديل واحد فقط، ومضى نحوه دون تردد، عليه أن ينقذ توأمه مهما كلف ذلك، كان مختار علي يحكي لنا الحكاية كأنما حضر كل حادثة منها، أو أنه أحد أبطالها، على الرغم من أنه يؤرخ لذلك بين حين وآخر قائلا: دا حصل من أكثر من مية وخمسين سنة.
كنا نسير ببطء عبر الأزقة، لا نهدف لمكان بعينه، هي فكرة مختار علي، أن نتمشى قليلا في شمس الصباح؛ لأن بها فيتامينات مهمة، وأكد لي أنه حتى الثعابين تطلع من جحورها لتأخذ منها قوة النظر، صحته بدت في تحسن ملحوظ اليوم، كان متفائلا ويضحك لأتفه الأسباب، يتحدث بصوت عال، وهو ما ليس من طبيعته في شيء، وجدنا نفسينا ندخل زقاق بيت أداليا دانيال التي فاجأتنا من أعلى صريف بيتها: يا مختار علي، إنت وصاحبك تعالوا جوه، صاحبكم ذاتو قاعد هنا في بيتي، تعالوا اشربوا ليكم مريسة، وونسوا خشم خشمين.
قبلنا الدعوة الكريمة شاكرين، فالدنيا صباح والمريسة أطيب ما يستفتح به، وونسة الصباح هي مصيدة حكايات الليلة السابقة، سميتها وصديقي: جريدة الصباح، فالمريسة تطلق الخيال الذي بدوره يطلق اللسان، فينفتح القلب للقلب مباشرة، وتهبط ملائكة الحكايات الرائعة في المجالس فتحلو، وجدناه يجلس على بنبر كبير كشيخ أسطوري نسي من مذبحة العنج، على بنبر آخر قربه العجوز وهو أشهر مغن يستخدم أم كيكي في الحلة والحلال المجاورة أيضا، بالأحرى لم ير الساكنون مغنيا يستخدم أم كيكي غيره، ولم يسمعوا به مجرد سمع، يبدو أنهما أنهيا فاصلا ممتعا من الأغنيات؛ حيث إنهما الآن يتحدثان عن مناسبة أغنية:
سبعه يوم عوضيه بيي
Halaman tidak diketahui