Janaqu Paku Bumi
الجنقو مسامير الأرض
Genre-genre
قلت له ساخرا بذات اللغة التي تحدث بها: عايزها مشروع حياة؟ - بالضبط، حتكون إضافة حقيقية لتجاربي الإنسانية، تصور لو عرفت كل تجربة مرت بحياتها، لو عرفت أحلامها، وأحزانها، وآمالها، لو عرفت كيف بتفكر الزولة دي، كل زول لاقيته في الحلة دي يحكي لي عنها حاجات أقرب للأساطير، كلمني عنها مختار علي، أنا عايز أصل للحقايق بنفسي، وليس من سمع كمن شاف.
سألته: منو مختار علي دا؟ - واحد عجوز مريض إتعرفت عليه إمبارح بالليل، رجل طيب، بت معاهو في البيت.
وبأسلوبه المباشر المعروف طلب منها أن تسمح له بدفع ثمن الجلباب، مانعت قليلا، ولكنها قبلت أخيرا، وشكرتنا الاثنين، وتبعناها إلى سوق الكجيك «السمك الجاف»، دفع لها ثمن رطلين منه.
الكجيك وكوم الكول، الفرندو وربع اللوبة البيضاء، كراعات الشرموط، لفتين المصران، وربع رطل الكمبو «أطعمة بلدية سودانية»، قالت ممتنة: كدا تكونو وفرتوا لي قروش المريسة لأسبوع كامل، ووفرتوا أكل لخمسة عمال مساكين؛ لأنه دا الميز «الميس» بتاعهم، بعد يومين حنرجع الخلاء.
قال لي، وكأنه يهمس همسا: ليه ما نمشي معاهم الخلاء ؟ أنا عايز أشوف الجنقو في مواقع عملهم، في بيئتهم الطبيعية، حتى ولو أشتغل معاهم، أنا عايز أدرس حياتهم دراسة من شاف، وعايش، وعاش.
ضحكت من كل أعماقي، أنا أعرف أنه لا يستطيع فعل ذلك وأعرف أنه لا يعدو كونه برجوازيا صغيرا متخما بالمتناقضات، والادعاء، والأحلام الكبيرة، يحاول أن يقضي عطالته وصالحه العام في مكان يقدم له الدهشة والانفعال، المتعة والإثارة؛ متعة المشاهدة، أما أن يعمل في قطع السمسم فهذا مستحيل، العلاقة بيني وبينه قائمة على الصراحة والوضوح، بالإضافة إلى أننا كنا نعمل في مؤسسة حكومية واحدة، طردنا للصالح العام معا، إلا أننا عشنا طفولة واحدة في قشلاق السجون بمدينة القضارف، ولو أنه كان يسكن في قشلاق الضباط؛ حيث كان والده ضابطا كبيرا ومديرا للسجن ووالدي شرطيا بالسجن، امتدت علاقتنا من المدرسة إلى الحي إلى البيت، ثم لم ننفصل عن بعضنا البعض منذ أكثر من ثلاثين عاما، كلانا كان كتابا مفتوحا مفضوحا أمام الآخر، حيث إننا كونا نفسيا ومعرفيا بصورة تكاد تكون متطابقة، قرأنا في مدرسة ديم النور عنقرة الابتدائية، لعبنا خلف البيطري وعلى تخوم مقابر المدينة معا، تشاجرنا مع أطفال دلسا وسلامة البيه جنبا لجنب، سبحنا في خور مجاديف وبرك مكي الشابك، ولعبنا جيش جيش في وسط غابة الحسكنيت على سفح جبل مكي الشابك، قرأنا ذات الكتب، واندهشنا معا باكتشاف جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي، ومهرجان المدرسة القديمة، وحرابة المؤذن العجوز، وحكاية البنت مياكايا لإبراهيم إسحاق، ونحن نكبر تدريجيا عرفنا معا نيتشه، والنساء، ودقات ريشة فان جوخ، ثم حفظنا أشعار أمل دنقل، ناظم حكمت، محمد محيي الدين، المومس العمياء، ماريا وامبوي، عشقنا البنات أيضا معا، في باكورة مراهقتنا أحببت أخته، وأحب أختي، كأول مغامرات غرامية لكلينا، ولو أنني ما كنت أدري ماذا يفعل وأختي بالضبط، حيث إنهما كانا يحرصان على إخفاء نشاطاتهما عني، إلا أنني؛ ولأن أخته تكبرني بعامين أو ثلاثة، كنا نعمل على اكتشاف جسدينا بصورة محمومة وممتعة، أختي تصغره بعامين مما جعلني أفترض أن شأنهما قد يختلف؛ لأن البنات الأكبر سنا هن دائما يبتدرن ما يخص الجسد، وأنهن يعرفن كل شيء، ونسبة لصغر سن أختي ما كنت أظن أنها بمهارة أخته، دائما ما أتخيلها بريئة مسكينة عويرة، على كل ليس فيها ما يعجب ولدا ما، فهي في أحسن الأحوال مملة، ومضجرة، وكنت لا أطيقها لحظة، لا تفلح في شيء غير فضح كل ما أقوم به عند أبي، ثم قرأت وإياه ذات الجامعة، ذات الكلية، ذات التخصص، وأول امرأة أجرينا معها فعلا جنسيا كانت هي نفس المرأة؛ محاضرة شبقة بالقسم، أقول كنت أعرفه تماما. قلت له: أنا مش حامشي معاك للخلاء حانتظر هنا.
قال ضاحكا: مع ألم قشي، مش كدا؟
قلت له: بالتأكيد.
قالت الصافية فجأة: إنتم الليلة معزومين معاي في بيت أدي.
قال فزعا: تاني بيت أدي؟ من قبل كم يوم قلعوا ساعتي الجوفيال الأصلية، وشالوا كل القروش اللي في جيبي، ولو ما ستر الله كانوا كتلوني عديل كدا.
Halaman tidak diketahui