والبيت من سعد بن زيد والعدد
ما يبتغي الأعداء مني ولقد
أضري بالشتم لساني ومرد
أقود من شئت وصعب لم أقد
فغضب الوليد وقال له: اركب لا حملك الله!
ومن جملة سيرته يظهر أنه كان كما قال صعبا لا يقاد، أو كان على شيء من العناد والخيلاء، فكان يستعظم أن يجترئ عليه أحد بمناداته باسمه في الطريق، وحدث بعضهم أنه كان في رهط من علية القوم عند شعب «سلع» بالمدينة ... «إذ طلع علينا رجل طويل بين المنكبين، طوال، يقود راحلة عليها بزة حسنة ... فصاح به عبد الرحمن بن أزهر: هيا جميل! هيا جميل! ... فالتفت مستكبرا يسأل: من هذا؟ فلما عرف عبد الرحمن قال: قد علمت أنه لا يجترئ علي إلا مثلك! ثم جلس فأنشدهم حتى بدا له أن يقوم «فاقتاد راحلته موليا».
والبزة الحسنة - على ما يظهر من جملة سيرته أيضا - كانت من لوازمه التي اشتهر بها ولا سيما في المحافل، حتى لقد كان يحسب متنكرا إذا مشى في البادية بزي الرعاة، وقال بعض أصحابه: «قدمت من عند عبد الملك بن مروان وقد أجازني وكساني بردا كان أفضل جائزتي، فنزلت وادي القرى فوافقت الجمعة بها، فاستخرجت بردي الذي من عند عبد الملك وقلت أصلي مع الناس. فلقيني جميل - وكان صديقا لي - فسلم بعضنا على بعض وتساءلنا ثم افترقنا. فلما أمسيت إذا هو قد أتاني في رحلي فقال: البرد الذي رأيته عليك تعيرنيه حتى أتجمل به، فإن بيني وبين جواس الشاعر مراجزة ... قلت: لا، بل هو لك كسوة، وكسوته إياه ... فلما أصبحنا جعل الأعاريب يأتون أرسالا حتى اجتمع منهم بشر كثير، وحضرت وأصحابي، فإذا بجميل قد جاء وعليه حلتان ما رأيت مثلهما على أحد قط، وإذا بردي الذي كسوته إياه قد جعله جلا لجمله ...»
فالرجل الذي يتخذ خلعة من الخليفة يزهى بها صاحبها جلا لجمله، ويلبس خيرا منها، رجل ولا شك مفرط الخيلاء معني بحسن البزة وأناقة الكساء، وقد ترجع هذه الخيلاء إلى النشأة العزيزة في بيوت الرئاسة بالبادية، فليس أقرب إلى الخيلاء من أبناء هؤلاء الرؤساء، ولا سيما الذين رزقوا منهم جمال السمت وروعة المظهر كما رزق جميل.
إلا أنها على هذا خليقة مطبوعة فيه لها مرجع غير التدليل والنشأة في بيوت الرئاسة، كما يؤخذ من بعض أوصافه، فقد ذكر صاحب له من أهل تيماء أنه كان معه يحدثه ويستمع له «إذ ثار وتربد وجهه ووثب نافرا مقشعر الشعر متغير اللون » حتى أنكره.
فهذه الخليقة الجامحة التي لا يملكها صاحبها هي على التحقيق مرجع من مراجع تلك الخيلاء التي اشتهر بها جميل، وقد توافق الطبع والنشأة والمظهر على إملاء لصاحبنا في خيلائه، فغير عجيب مع هذا كله أن يتحامق ويحمق، فلا يستتر حمقه حيث يريد وحيث لا يريد.
Halaman tidak diketahui