141

Jami' Li Ahkam al-Quran

الجامع لاحكام القرآن

Penyiasat

أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

Penerbit

دار الكتب المصرية

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م

Lokasi Penerbit

القاهرة

السَّادِسَةُ أَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْحَمْدِ عَلَى نَفْسِهِ، وَافْتَتَحَ كِتَابَهُ بِحَمْدِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، بَلْ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﵇ فَقَالَ:" فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى " «١». وَقَالَ ﵇: (احْثُوَا فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ) رَوَاهُ الْمِقْدَادُ. وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي" النِّسَاءِ" «٢» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَمَعْنَى" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" أَيْ سَبَقَ الْحَمْدُ مِنِّي لِنَفْسِي أَنْ يَحْمَدَنِي أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَحَمْدِي نَفْسِي لِنَفْسِي فِي الْأَزَلِ لَمْ يَكُنْ بِعِلَّةٍ، وَحَمْدِي الْخَلْقَ مَشُوبٌ بِالْعِلَلِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَيُسْتَقْبَحُ مِنَ الْمَخْلُوقِ الَّذِي لَمْ يُعْطَ الْكَمَالَ أَنْ يَحْمَدَ نَفْسَهُ لِيَسْتَجْلِبَ لَهَا الْمَنَافِعَ وَيَدْفَعَ عَنْهَا الْمَضَارَّ. وَقِيلَ: لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ عَجْزَ عِبَادِهِ عَنْ حَمْدِهِ، حَمِدَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فِي الْأَزَلِ، فَاسْتِفْرَاغُ طَوْقِ عِبَادِهِ هُوَ مَحَلُّ الْعَجْزِ عِنْ حَمْدِهِ. أَلَا تَرَى سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ كَيْفَ أَظْهَرَ الْعَجْزَ بِقَوْلِهِ: (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ). وَأَنْشَدُوا: إِذَا نَحْنُ أَثْنَيْنَا عَلَيْكَ بِصَالِحٍ ... فَأَنْتَ كَمَا نُثْنِي وَفَوْقَ الَّذِي نُثْنِي وَقِيلَ: حَمِدَ نَفْسَهُ فِي الْأَزَلِ لِمَا عَلِمَ مِنْ كَثْرَةِ نِعَمِهِ على عباده وعجزهم عن الْقِيَامِ بِوَاجِبِ حَمْدِهِ فَحَمِدَ نَفْسَهُ عَنْهُمْ، لِتَكُونَ النعمة أهنأ لديهم، حيث أسقط عنهم بِهِ ثِقَلَ الْمِنَّةِ. السَّابِعَةُ وَأَجْمَعَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ وَجُمْهُورُ النَّاسِ عَلَى رَفْعِ الدَّالِ مِنَ" الْحَمْدُ لِلَّهِ". وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَرُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ" بِنَصَبِ الدَّالِ، وَهَذَا عَلَى إِضْمَارِ فَعِلَ. وَيُقَالُ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ" بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَسَبِيلُ الْخَبَرِ أَنْ يُفِيدَ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي هَذَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ بِالرَّفْعِ فَفِيهِ مِنَ الْمَعْنَى مِثْلُ مَا فِي قَوْلِكَ: حَمِدْتُ اللَّهَ حَمْدًا، إِلَّا أَنَّ الَّذِي يَرْفَعُ الْحَمْدَ يُخْبِرُ أَنَّ الْحَمْدَ مِنْهُ وَمِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ لِلَّهِ، وَالَّذِي يَنْصِبُ الْحَمْدَ يُخْبِرُ أَنَّ الْحَمْدَ مِنْهُ وَحْدَهُ لِلَّهِ. وَقَالَ غَيْرُ سِيبَوَيْهِ. إِنَّمَا يُتَكَلَّمُ بِهَذَا تَعَرُّضًا لِعَفْوِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ وَتَمْجِيدًا، فَهُوَ خِلَافُ مَعْنَى الْخَبَرُ وَفِيهِ مَعْنَى السُّؤَالِ. وَفِي الْحَدِيثِ: (مَنْ شُغِلَ بِذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ السَّائِلِينَ). وَقِيلَ: إِنَّ مَدْحَهُ ﷿ لِنَفْسِهِ وَثَنَاءَهُ عَلَيْهَا لِيُعَلِّمَ ذَلِكَ عِبَادَهُ، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: قُولُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ"

(١). آية ٣٢ سورة النجم. (٢). راجع ج ٥ ص ٢٤٦

1 / 135