Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an
جامع البيان في تفسير القرآن
والنسر للاخرى وليث مرصد
حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عباس: البرق: ملك. وقد حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: الصواعق ملك يضرب السحاب بالمخاريق يصيب منه من يشاء. قال أبو جعفر: وقد يحتمل أن يكون ما قاله علي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد بمعنى واحد وذلك أن تكون المخاريق التي ذكر علي رضي الله عنه أنها هي البرق هي السياط التي هي من نور التي يزجي بها الملك السحاب، كما قال ابن عباس. ويكون إزجاء الملك السحاب: مصعه إياه بها، وذاك أن المصاع عند العرب أصله المجالدة بالسيوف، ثم تستعمله في كل شيء جولد به في حرب وغير حرب، كما قال أعشى بني ثعلبة وهو يصف جواري يلعبن بحليهن ويجالدن به.
إذا هن نازلن أقرانهن
وكان المصاع بما في الجؤن
يقال منه: ماصعه مصاعا. وكأن مجاهدا إنما قال: «مصع ملك»، إذ كان السحاب لا يماصع الملك، وإنما الرعد هو المماصع له، فجعله مصدرا من مصعه يمصعه مصعا، وقد ذكرنا ما في معنى الصاعقة ما قال شهر بن حوشب فيما مضى. وأما تأويل الآية، فإن أهل التأويل مختلفون فيه. فروي عن ابن عباس في ذلك أقوال أحدها ما: حدثنا به محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:
أو كصيب من السمآء فيه ظلمت ورعد وبرق يجعلون أصبعهم في آذانهم من الصوعق حذر الموت
[البقرة: 19] أي هم من ظلمات ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل على الذي هم عليه من الخلاف، والتخوف منكم على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت { يكاد البرق يخطف أبصرهم } أي لشدة ضوء الحق، { كلما أضآء لهم مشوا فيه وإذآ أظلم عليهم قاموا } أي يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم من قولهم به على استقامة، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا متحيرين. والآخر ما: حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
أو كصيب من السمآء فيه ظلمت ورعد وبرق
[البقرة: 19] إلى: { إن الله على كل شيء قدير }: أما الصيب والمطر. كانا رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق، فجعلا كلما أضاء لهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما، وإذ لمع البرق مشوا في ضوئه، وإذا لم يلمع لم يبصرا قاما مكانهما لا يمشيان، فجعلا يقولان: ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع أيدينا في يده فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما.
فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة. وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا، كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما، وإذا أضاء لهم مشوا فيه. فإذا كثرت أموالهم وولد لهم الغلمان وأصابوا غنيمة أو فتحا مشوا فيه، وقالوا: إن دين محمد صلى الله عليه وسلم دين صدق فاستقاموا عليه، كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهم البرق مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم قاموا. فكانوا إذا هلكت أموالهم، وولد لهم الجواري، وأصابهم البلاء قالوا: هذا من أجل دين محمد، فارتدوا كفارا كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما. والثالث ما: حدثني به محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس:
Halaman tidak diketahui