Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an
جامع البيان في تفسير القرآن
سميع فما أدري أرشد طلابها
يعني بذلك: فما أدري أرشد طلابها أم غي، فحذف ذكر «أم غي»، إذ كان فيما نطق به الدلالة عليها. وكما قال ذو الرمة في نعت حمير:
فلما لبسن الليل أو حين نصبت
له من خذا آذانها وهو جانح
يعني: أو حين أقبل الليل. في نظائر لذلك كثيرة كرهنا إطالة الكتاب بذكرها. فكذلك قوله: { كمثل الذي استوقد نارا فلمآ أضآءت ما حوله } لما كان فيه وفيما بعده من قوله: { ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمت لا يبصرون } دلالة على المتروك كافية من ذكره اختصر الكلام طلب الإيجاز. وكذلك حذف ما حذف واختصار ما اختصر من الخبر عن مثل المنافقين بعده، نظير ما اختصر من الخبر عن مثل المستوقد النار لأن معنى الكلام: فكذلك المنافقون ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون بعد الضياء الذي كانوا فيه في الدنيا بما كانوا يظهرون بألسنتهم من الإقرار بالإسلام وهم لغيره مستبطنون، كما ذهب ضوء نار هذا المستوقد بانطفاء ناره وخمودها فبقي في ظلمة لا يبصر، والهاء والميم في قوله: { ذهب الله بنورهم } عائدة على الهاء والميم في قوله: { مثلهم }.
[2.18]
قال أبو جعفر: وإذ كان تأويل قول الله جل ثناؤه:
ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمت لا يبصرون
[البقرة: 17] هو ما وصفنا من أن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عما هو فاعل بالمنافقين في الآخرة، عند هتك أستارهم، وإظهاره فضائح أسرارهم، وسلبه ضياء أنوارهم من تركهم في ظلم أهوال يوم القيامة يترددون، وفي حنادسها لا يبصرون فبين أن قوله جل ثناؤه: { صم بكم عمي فهم لا يرجعون } من المؤخر الذي معناه التقديم، وأن معنى الكلام:
أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين، مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلمآ أضآءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمت لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون * أو كصيب من السمآء
Halaman tidak diketahui