Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an
جامع البيان في تفسير القرآن
[البقرة: 4] هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب.
وقال بعضهم: بل نزلت هذه الآيات الأربع في مؤمني أهل الكتاب خاصة، لإيمانهم بالقرآن عند إخبار الله جل ثناؤه إياهم فيه عن الغيوب التي كانوا يخفونها بينهم ويسرونها، فعلموا عند إظهار الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك منهم في تنزيله أنه من عند الله جل وعز، فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدقوا بالقرآن وما فيه من الإخبار عن الغيوب التي لا علم لهم بها لما استقر عندهم بالحجة التي احتج الله تبارك وتعالى بها عليهم في كتابه، من الإخبار فيه عما كانوا يكتمونه من ضمائرهم أن جميع ذلك من عند الله. وقال بعضهم: بل الآيات الأربع من أول هذه السورة أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم بوصف جميع المؤمنين الذين ذلك صفتهم من العرب والعجم وأهل الكتابين و سواهم، وإنما هذه صفة صنف من الناس، والمؤمن بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله هو المؤمن بالغيب. قالوا: وإنما وصفهم الله بالإيمان بما أنزل إلى محمد وبما أنزل إلى من قبله بعد تقضي وصفه إياهم بالإيمان بالغيب لأن وصفه إياهم بما وصفهم به من الإيمان بالغيب كان معنيا به أنهم يؤمنون بالجنة والنار والبعث، وسائر الأمور التي كلفهم الله جل ثناؤه بالإيمان بها مما لم يروه ولم يأت بعد مما هو آت، دون الإخبار عنهم أنهم يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الرسل والكتب. قالوا: فلما كان معنى قوله:
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
[البقرة: 4]غير موجود في قوله: { الذين يؤمنون بالغيب } كانت الحاجة من العباد إلى معرفة صفتهم بذلك ليعرفوهم نظير حاجتهم إلى معرفتهم بالصفة التي وصفوا بها من إيمانهم بالغيب ليعلموا ما يرضي الله من أفعال عباده، ويحبه من صفاتهم، فيكونوا به إن وفقهم له ربهم. مؤمنين. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو بن العباس الباهلي، قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، قال: حدثنا عيسى بن ميمون المكي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة في المنافقين. حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد بمثله. وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال حدثنا موسى بن مسعود، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. وحدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله إبن أبي جعفر، عن أبيه عن الربيع بن أنس، قال: أربع آيات من فاتحة هذه السورة يعني سورة البقرة في الذين آمنوا، وآيتان في قادة الأحزاب. وأولى القولين عندي بالصواب وأشبههما بتأويل الكتاب، القول الأول، وهو: أن الذين وصفهم الله تعالى ذكره بالإيمان بالغيب، وما وصفهم به جل ثناؤه في الآيتين الأولتين غير الذين وصفهم بالإيمان بالذي أنزل على محمد والذي أنزل إلى من قبله من الرسل لما ذكرت من العلل قبل لمن قال ذلك، ومما يدل أيضا مع ذلك على صحة هذا القول إنه جنس بعد وصف المؤمنين بالصفتين اللتين وصف، وبعد تصنيفه كل صنف منهما على ما صنف الكفار جنسين، فجعل أحدهما مطبوعا على قلبه مختوما عليه مأيوسا من إيمانه ، والآخر منافقا يرائي بإظهار الإيمان في الظاهر، ويستسر النفاق في الباطن، فصير الكفار جنسين كما صير المؤمنين في أول السورة جنسين.
ثم عرف عباده نعت كل صنف منهم وصفتهم وما أعد لكل فريق منهم من ثواب أو عقاب، وذم أهل الذم منهم، وشكر سعي أهل الطاعة منهم. القول في تأويل قوله تعالى: { ويقيمون }. إقامتها: أداؤها بحدودها وفروضها والواجب فيها على ما فرضت عليه، كما يقال: أقام القوم سوقهم، إذا لم يعطلوها من البيع والشراء فيها، وكما قال الشاعر:
أقمنا لأهل العراقين سوق الض
راب فخاسوا وولوا جميعا
وكما حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { { ويقيمون الصلوة } قال: الذين يقيمون الصلاة بفروضها. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد عن بشر بن عمار، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { ويقيمون الصلوة } قال: إقامة الصلاة: تمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها. القول في تأويل قوله تعالى: { الصلوة }. حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا جويبر عن الضحاك في قوله: { الذين يقيمون الصلاة } يعني الصلاة المفروضة. وأما الصلاة في كلام العرب فإنها الدعاء كما قال الأعشى:
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها
وإن ذبحت صلى عليها وزمزما
Halaman tidak diketahui