352

Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an

جامع البيان في تفسير القرآن

[البروج: 21-22] وقال:

إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون

[الواقعه: 77-78] فقد تبين بذلك أن كل ما فرضه علينا ففي اللوح المحفوظ مكتوب. فمعنى قول إذ كان ذلك كذلك: { كتب عليكم القصاص } كتب عليكم في اللوح المحفوظ القصاص في القتلى فرضا أن لا تقتلوا بالمقتول غير قاتله. وأما القصاص فإنه من قول القائل: قاصصت فلانا حقي قبله من حقه قبلي، قصاصا ومقاصة فقتل القاتل بالذي قتله قصاص، لأنه مفعول به مثل الذي فعل بمن قتله، وإن كان أحد الفعلين عدوانا والآخر حقا، فهما وإن اختلفا من هذا الوجه، فهما متفقان في أن كل واحد قد فعل بصاحبه مثل الذي فعل صاحبه به، وجعل فعل ولي القتيل الأول إذا قتل قاتل وليه قصاصا، إذ كان بسبب قتله استحق قتل من قتله، فكأن وليه المقتول هو الذي ولى قتل قاتله فاقتص منه. وأما القتلى، فإنها جمع قتيل، كما الصرعى جمع صريع، والجرحى جمع جريح.

وإنما يجمع الفعيل على الفعلى، إذا كان صفة للموصوف به بمعنى الزمانة والضرر الذي لا يقدر معه صاحبه على البراح من موضعه ومصرعه، نحو القتلى في معاركهم، والصرعى في مواضعهم، والجرحى وما أشبه ذلك. فتأويل الكلام إذن: فرض عليكم أيها المؤمنون القصاص في القتلى أن يقتص الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى. ثم ترك ذكر أن يقتص اكتفاء بدلالة قوله: { كتب عليكم القصاص } عليه. القول في تأويل قوله تعالى: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان }. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: فمن ترك له من القتل ظلما من الواجب كان لأخيه عليه من القصاص، وهو الشيء الذي قال الله: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع } من العافي للقاتل بالواجب له قبله من الدية، وأداء من المعفو عنه ذلك إليه بإحسان. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابي، قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن مجاهد، عن ابن عباس: { فمن عفي له من أخيه شيء } فالعفو أن يقبل الدية في العمد، واتباع بالمعروف أن يطلب هذا بمعروف ويؤدي هذا بإحسان. حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس أنه قال في قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } فقال: هو العمد يرضى أهله بالدية { واتباع بالمعروف } أمر به الطالب { وأداء إليه باحسان } من المطلوب. حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن سفيان، قال: ثنا أبي، وحدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر قالا جميعا: أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: الذي يقبل الدية ذلك منه عفو، واتباع بالمعروف ، ويؤدي إليه الذي عفي له من أخيه بإحسان. حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } وهي الدية أن يحسن الطالب الطلب { وأداء إليه بإحسان } وهو أن يحسن المطلوب الأداء. حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } والعفو الذي يعفو عن الدم، ويأخذ الدية. حدثنا سفيان، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { فمن عفي له من أخيه شيء } قال: الدية. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن يزيد، عن إبراهيم، عن الحسن: { وأداء إليه بإحسان } قال: على هذا الطالب أن يطلب بالمعروف، وعلى هذا المطلوب أن يؤدي بإحسان.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } والعفو: الذي يعفو عن الدم، ويأخذ الدية. حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } قال: هو العمد يرضى أهله بالدية. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن داود، عن الشعبي، مثله. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } يقول: قتل عمدا فعفى عنه، وقبلت منه الدية، يقول: { فاتباع بالمعروف } فأمر المتبع أن يتبع بالمعروف، وأمر المؤدي أن يؤدي بإحسان، والعمد قود إليه قصاص، لا عقل فيه إلا أن يرضوا بالدية، فإن رضوا بالدية فمائة خلفة، فإن قالوا: لا نرضى إلا بكذا وكذا فذاك لهم. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } قال: يتبع به الطالب بالمعروف، ويؤدي المطلوب بإحسان. حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } يقول: فمن قتل عمدا فعفي عنه وأخذت منه الدية، يقول: { فاتباع بالمعروف }: أمر صاحب الدية التي يأخذها أن يتبع بالمعروف، وأمر المؤدي أن يؤدي بإحسان. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } قال: ذلك إذا أخذ الدية فهو عفو. حدثنا الحسن، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد قال: إذا قبل الدية فقد عفا عن القصاص، فذلك قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان }. قال ابن جريج: وأخبرني الأعرج عن مجاهد مثل ذلك، وزاد فيه: فإذا قبل الدية فإن عليه أن يتبع بالمعروف، وعلى الذي عفى عنه أن يؤدي بإحسان. حدثنا المثنى قال: ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا أبو عقيل قال: قال الحسن: أخذ الدية عفو حسن. حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { وأداء إليه بإحسان } قال: أنت أيها المعفو عنه. حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } وهو الدية أن يحسن الطالب، وأداء إليه بإحسان: هو أن يحسن المطلوب الأداء.

وقال آخرون معنى قوله: { فمن عفي } فمن فضل له فضل وبقيت له بقية. وقالوا: معنى قوله: { من أخيه شيء } من دية أخيه شيء، أو من أرش جراحته فاتباع منه القاتل أو الجارح الذي بقي ذلك قبله بمعروف وأداء من القاتل أو الجارح إليه ما بقي قبله له من ذلك بإحسان. وهذا قول من زعم أن الآية نزلت، أعني قوله: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى } في الذين تحاربوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم فيقاص ديات بعضهم من بعض ويرد بعضهم على بعض بفضل إن بقي لهم قبل الآخرين. وأحسب أن قائلي هذا القول وجهوا تأويل العفو في هذا الموضع إلى الكثرة من قول الله تعالى ذكره: حتى عفوا، فكان معنى الكلام عندهم: فمن كثر له قبل أخيه القاتل. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { فمن عفي له من أخيه شيء } يقول: بقي له من دية أخيه شيء أو من أرش جراحته، فليتبع بمعروف وليؤد الآخر إليه بإحسان. والواجب على تأويل القول الذي روينا عن علي والحسن في قوله: { كتب عليكم القصاص } أنه بمعنى مقاصة دية النفس الذكر من دية النفس الأنثى، والعبد من الحر، والتراجع بفضل ما بين ديتي أنفسهما أن يكون معنى قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء } فمن عفي له من الواجب لأخيه عليه من قصاص دية أحدهما بدية نفس الآخر إلى الرضى بدية نفس المقتول، فاتباع من الولي بالمعروف، وأداء من القاتل إليه ذلك بإحسان. وأولى الأقوال عندي بالصواب في قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء } فمن صفح له من الواجب كان لأخيه عليه من القود عن شيء من الواجب على دية يأخذها منه، فاتباع بالمعروف من العافي عن الدم الراضي بالدية من دم وليه، وأداء إليه من القاتل ذلك بإحسان لما قد بينا من العلل فيما مضى قبل من أن معنى قول الله تعالى ذكره: { كتب عليكم القصاص } إنما هو القصاص من النفوس القاتلة أو الجارحة والشاجة عمدا، كذلك العفو أيضا عن ذلك. وأما معنى قوله: { فاتباع بالمعروف } فإنه يعني: فاتباع على ما أوجبه الله له من الحق قبل قاتل وليه من غير أن يزداد عليه ما ليس له عليه في أسنان الفرائض أو غير ذلك، أو يكلفه ما لم يوجبه الله له عليه.

كما: حدثني بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: بلغنا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

" من زاد أو ازداد بعيرا "

يعني في إبل الديات وفرائضها «فمن أمر الجاهلية» وأما إحسان الآخر في الأداء، فهو أداء ما لزمه بقتله لولي القتيل على ما ألزمه الله وأوجبه عليه من غير أن يبخسه حقا له قبله بسبب ذلك، أو يحوجه إلى اقتضاء ومطالبة. فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: { فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } ولم يقل: فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان، كما قال:

فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب

Halaman tidak diketahui