338

Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an

جامع البيان في تفسير القرآن

[2.168]

يعني تعالى ذكره بذلك: يا أيها الناس كلوا مما أحللت لكم من الأطعمة على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم فطيبته لكم مما تحرمونه على أنفسكم من البحائر والسوائب والوصائل، وما أشبه ذلك مما لم أحرمه عليكم، دون ما حرمته عليكم من المطاعم والمآكل فنجسته من ميتة ودم ولحم خنزير وما أهل به لغيري، ودعوا خطوات الشيطان الذي يوبقكم فيهلككم ويوردكم موارد العطب ويحرم عليكم أموالكم فلا تتبعوها ولا تعملوا بها، إنه يعني بقوله { إنه } إن الشيطان، والهاء في قوله: { إنه } عائدة على الشيطان { لكم } أيها الناس { عدو مبين } يعني أنه قد أبان لكم عداوته بإبائه عن السجود لأبيكم وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة واستزله بالخطيئة، وأكل من الشجرة. يقول تعالى ذكره: فلا تنتصحوه أيها الناس مع إبانته لكم العداوة، ودعوا ما يأمركم به، والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه مما أحللته لكم وحرمته عليكم، دون ما حرمتموه أنتم على أنفسكم وحللتموه طاعة منكم للشيطان واتباعا لأمره. ومعنى قوله حلالا طلقا، وهو مصدر من قول القائل: قد حل لك هذا الشيء، أي صار لك مطلقا، فهو يحل لك حلالا وحلا. من كلام العرب: هو لك حل، أي طلق. وأما قوله: طيبا فإنه يعني به طاهرا غير نجس ولا محرم. وأما الخطوات فإنه جمع خطوة، والخطوة: بعد ما بين قدمي الماشي، والخطوة بفتح الخاء: الفعلة الواحدة، من قول القائل: خطوت خطوة واحدة وقد تجمع الخطوة خطا، والخطوة تجمع خطوات وخطاء. والمعنى في النهي عن اتباع خطواته، النهي عن طريقه وأثره فيما دعا إليه مما هو خلاف طاعة الله تعالى ذكره. واختلف أهل التأويل في معنى الخطوات، فقال بعضهم: خطوات الشيطان: عمله. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: { خطوات الشيطان } يقول: عمله. وقال بعضهم: خطوات الشيطان: خطاياه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { خطوات الشيطان } قال: خطيئته. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: خطاياه. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } قال: خطاياه. حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك قوله: { خطوات الشيطان } قال: خطايا الشيطان التي يأمر بها. وقال آخرون: خطوات الشيطان: طاعته.

ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } يقول: طاعته. وقال آخرون: خطوات الشيطان: النذور في المعاصي. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن سليمان، عن أبي مجلز في قوله: { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } قال: هي النذور في المعاصي. وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه في تأويل قوله خطوات الشيطان قريب معنى بعضها من بعض لأن كل قائل منهم قولا في ذلك فإنه أشار إلى نهي اتباع الشيطان في آثاره وأعماله. غير أن حقيقة تأويل الكلمة هو ما بينت من أنها بعد ما بين قدميه ثم تستعمل في جميع آثاره وطرقه على ما قد بينت.

[2.169]

يعني تعالى ذكره بقوله: { إنما يأمركم } الشيطان { بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } والسوء: الإثم مثل الضر من قول القائل: ساءك هذا الأمر يسوءك سوءا وهو ما يسوء الفاعل. وأما الفحشاء فهي مصدر مثل السراء والضراء، وهي كل ما استفحش ذكره وقبح مسموعه. وقيل إن السوء الذي ذكره الله هو معاصي الله فإن كان ذلك كذلك، فإنما سماها الله سوءا لأنها تسوء صاحبها بسوء عاقبتها له عند الله. وقيل إن الفحشاء: الزنا فإن كان ذلك كذلك، فإنما يسمى لقبح مسموعه، ومكروه ما يذكر به فاعله. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { إنما يأمركم بالسوء والفحشاء } أما السوء فالمعصية، وأما الفحشاء فالزنا. وأما قوله: { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } فهو ما كانوا يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي، ويزعمون أن الله حرم ذلك، فقال تعالى ذكره لهم:

ما جعل الله من بحيرة ولا سآئبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون

[المائدة: 103] وأخبرهم تعالى ذكره في هذه الآية أن قيلهم إن الله حرم هذا من الكذب الذي يأمرهم به الشيطان، وأنه قد أحله لهم وطيبه، ولم يحرم أكله عليهم، ولكنهم يقولون على الله ما لا يعلمون حقيقته طاعة منهم للشيطان، واتباعا منهم خطواته، واقتفاء منهم آثار أسلافهم الضلال وآبائهم الجهال، الذين كانوا بالله وبما أنزل على رسوله جهالا، وعن الحق ومنهاجه ضلالا وإسرافا منهم، كما أنزل الله في كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى ذكره:

وإذا قيل لهم اتبعوا مآ أنزل الله قالوا بل نتبع مآ ألفينا عليه آبآءنآ أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون

[البقرة: 170].

[2.170]

Halaman tidak diketahui