Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an
جامع البيان في تفسير القرآن
[إبراهيم: 22] وأخبر تعالى ذكره أن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، وأن الكافرين لا ينصر يومئذ بعضهم بعضا، فقال تعالى ذكره:
وقفوهم إنهم مسئولون * ما لكم لا تناصرون
[الصافات: 24-25] وأن الرجل منهم لا ينفعه نسيبه ولا ذو رحمه، وإن كان نسيبه لله وليا، فقال تعالى ذكره في ذلك:
وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدهآ إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه
[التوبة: 114] وأخبر تعالى ذكره أن أعمالهم تصير عليهم حسرات. وكل هذه المعاني أسباب يتسبب في الدنيا بها إلى مطالب، فقطع الله منافعها في الآخرة عن الكافرين به لأنها كانت بخلاف طاعته ورضاه، فهي منقطعة بأهلها فلا خلال بعضهم بعضا ينفعهم عند ورودهم على ربهم ولا عبادتهم أندادهم ولا طاعتهم شياطينهم، ولا دافعت عنهم أرحام فنصرتهم من انتقام الله منهم، ولا أغنت عنهم أعمالهم بل صارت عليهم حسرات، فكل أسباب الكفار منقطعة، فلا معنى أبلغ في تأويل قوله: { وتقطعت بهم الأسباب } من صفة الله، وذلك ما بينا من جميع أسبابهم دون بعضها على ما قلنا في ذلك. ومن ادعى أن المعنى بذلك خاص من الأسباب سئل عن البيان على دعواه من أصل لا منازع فيه، وعورض بقول مخالفه فيه، فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
[2.167]
يعني بقوله تعالى ذكره: { وقال الذين اتبعوا } وقال أتباع الرجال الذين كانوا اتخذوهم أندادا من دون الله يطيعونهم في معصية الله، ويعصون ربهم في طاعتهم، إذ يرون عذاب الله في الآخرة: { لو أن لنا كرة } يعني بالكرة: الرجعة إلى الدنيا، من قول القائل: كررت على القوم أكر كرا، والكرة: المرة الواحدة، وذلك إذا حمل عليهم راجعا عليهم بعد الانصراف عنهم كما قال الأخطل:
ولقد عطفن على فزارة عطفة
كر المشيح وجلن ثم مجالا
وكما حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا } أي لنا رجعة إلى الدنيا. حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة } قال: قالت الأتباع: لو أن لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا. وقوله: { فنتبرأ منهم } منصوب لأنه جواب للتمني بالفاء، لأن القوم تمنوا رجعة إلى الدنيا ليتبرءوا من الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله كما تبرأ منهم رؤساؤهم الذين كانوا في الدنيا المتبوعون فيها على الكفر بالله إذ عاينوا عظيم النازل بهم من عذاب الله، فقالوا: يا ليت لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم،
Halaman tidak diketahui