Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an
جامع البيان في تفسير القرآن
قالوا: فمكة منذ خلقت حرم آمن من عقوبة الله وعقوبة الجبابرة. قالوا: وقد أخبرت عن صحة ما قلنا من ذلك الرواية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها.
قالوا: ولم يسأل إبراهيم ربه أن يؤمنه من عقوبته وعقوبة الجبابرة، ولكنه سأله أن يؤمن أهله من الجدوب والقحوط، وأن يرزق ساكنه من الثمرات، كما أخبر ربه عنه أنه سأله بقوله: { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر }. قالوا: وإنما سأل ربه ذلك، لأنه أسكن فيه ذريته، وهو غير ذي زرع ولا ضرع، فاستعاذ ربه من أن يهلكهم بها جوعا وعطشا، فسأله أن يؤمنهم مما حذر عليهم منه. قالوا: وكيف يجوز أن يكون إبراهيم سأل ربه تحريم الحرم، وأن يؤمنه من عقوبته وعقوبة جبابرة خلقه، وهو القائل حين حله، ونزله بأهله وولده:
ربنآ إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم
[إبراهيم: 37] قالوا: فلو كان إبراهيم هو الذي حرم الحرم أو سأل ربه تحريمه لما قال: «عند بيتك المحرم»، عند نزوله به، ولكنه حرم قبله، وحرم بعده. وقال آخرون: كان الحرم حلالا قبل دعوة إبراهيم كسائر البلاد غيره، وإنما صار حراما بتحريم إبراهيم إياه، كما كانت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالا قبل تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها. قالوا: والدليل على ما قلنا من ذلك ما: حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن إبراهيم حرم بيت الله وأمنه، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يصاد صيدها ولا تقطع عضاهها "
حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا عبد الرحيم الرازي، سمعت أشعث، عن نافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن إبراهيم كان عبد الله وخليله، وإني عبد الله ورسوله، وإن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها عضاها وصيدها، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يقطع منها شجر إلا لعلف بعير "
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن أبي بكر بن محمد، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم المدينة ما بين لابتيها "
وأما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول باستيعابها الكتاب. قالوا: وقد أخبر الله تعالى ذكره في كتابه أن إبراهيم قال: رب اجعل هذا بلدا آمنا ولم يخبر عنه أنه سأل أن يجعله آمنا من بعض الأشياء دون بعض، فليس لأحد أن يدعي أن الذي سأله من ذلك الأمان له من بعض الأشياء دون بعض إلا بحجة يجب التسليم لها.
Halaman tidak diketahui