291

Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an

جامع البيان في تفسير القرآن

وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين

[الصافات: 113] يقول: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق. حدثني يحيى بن جعفر، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: { لا ينال عهدي الظالمين } قال: لا ينال عهدي عدو لي يعصيني، ولا أنحلها إلا وليا يطيعني. وهذا الكلام وإن كان ظاهره ظاهر خبر عن أنه لا ينال من ولد إبراهيم صلوات الله عليه عهد الله الذي هو النبوة والإمامة لأهل الخير، بمعنى الاقتداء به في الدنيا، والعهد الذي بالوفاء به ينجو في الآخرة، من وفي لله به في الدنيا، من كان منهم ظالما متعديا جائرا عن قصد سبيل الحق. فهو إعلام من الله تعالى ذكره لإبراهيم أن من ولده من يشرك به، ويجوز عن قصد السبيل، ويظلم نفسه وعباده. كالذي: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشر، عن خصيف، عن مجاهد في قوله: { لا ينال عهدي الظالمين } قال: إنه سيكون في ذريتك ظالمون. وأما نصب الظالمين، فلأن العهد هو الذي لا ينال الظالمين. وذكر أنه في قراءة ابن مسعود: «لا ينال عهدي الظالمون» بمعنى أن الظالمين هم الذين لا ينالون عهد الله. وإنما جاز الرفع في الظالمين والنصب، وكذلك في العهد لأن كل ما نال المرء فقد ناله المرء، كما يقال: نالني خير فلان ونلت خيره، فيوجه الفعل مرة إلى الخير ومرة إلى نفسه. وقد بينا معنى الظلم فيما مضى فكرهنا إعادته.

[2.125]

أما قوله: { وإذ جعلنا البيت مثابة } فإنه عطف ب«إذ» على قوله:

وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات

[البقرة: 124]. وقوله:

وإذ ابتلى إبراهيم

[البقرة: 124] معطوف على قوله:

يبني إسرائيل اذكروا نعمتي

[البقرة: 40] واذكروا إذا ابتلى إبراهيم ربه، وإذ جعلنا البيت مثابة. والبيت الذي جعله الله مثابة للناس هو البيت الحرام. وأما المثابة فإن أهل العربية مختلفون في معناها، والسبب الذي من أجله أنثت فقال بعض نحويي البصرة: ألحقت الهاء في المثابة لما كثر من يثوب إليه، كما يقال سيارة لمن يكثر ذلك ونسابة. وقال بعض نحويي الكوفة: بل المثاب والمثابة بمعنى واحد، نظيرة المقام والمقامة والمقام، ذكر على قوله لأنه يريد به الموضع الذي يقام فيه، وأنثت المقامة لأنه أريد بها البقعة. وأنكر هؤلاء أن تكون المثابة كالسيارة والنسابة، وقالوا: إنما أدخلت الهاء في السيارة والنسابة تشبيها لها بالداعية والمثابة مفعلة من ثاب القوم إلى الموضع: إذا رجعوا إليهم فهم يثوبون إليه مثابا ومثابة وثوابا. فمعنى قوله: { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } وإذ جعلنا البيت مرجعا للناس ومعاذا يأتونه كل عام ويرجعون إليه، فلا يقضون منه وطرا. ومن المثاب قول ورقة بن نوفل في صفة الحرم:

Halaman tidak diketahui