Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an
جامع البيان في تفسير القرآن
تقول إذا درأت لها وضيني
أهذا دينه أبدا وديني
وما أشبه ذلك؟ فإنهم لا صواب اللغة أصابوا ولا كتاب الله، وما دلت على صحته الأدلة اتبعوا. فيقال لقائلي ذلك: إن الله تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنه إذا قضى أمرا قال له: «كن»، أفتنكرون أن يكون قائلا ذلك؟ فإن أنكروه كذبوا بالقرآن، وخرجوا من الملة، وإن قالوا: بل نقر به، ولكنا نزعم أن ذلك نظير قول القائل: قال الحائط فمال ولا قول هنالك، وإنما ذلك خبر عن ميل الحائط.
قيل لهم: أفتجيزون للمخبر عن الحائط بالميل أن يقول: إنما قول الحائط إذا أراد أن يميل أن يقول هكذا فيميل؟ فإن أجازوا ذلك خرجوا من معروف كلام العرب، وخالفوا منطقها وما يعرف في لسانها. وإن قالوا: ذلك غير جائز، قيل لهم: إن الله تعالى ذكره أخبرهم عن نفسه أن قوله للشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون، فأعلم عباده قوله الذي يكون به الشيء ووصفه ووكده. وذلك عندكم غير جائز في العبارة عما لا كلام له ولا بيان في مثل قول القائل: قال الحائط فمال. فكيف لم يعلموا بذلك فرق ما بين معنى قول الله: { وإذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون } وقول القائل: قال الحائط فمال؟ وللبيان عن فساد هذه المقالة موضع غير هذا نأتي فيه على القول بما فيه الكفاية إن شاء الله. وإذا كان الأمر في قوله جل ثناؤه: { وإذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون } هو ما وصفنا من أن حال أمره الشيء بالوجود حال وجود المأمور بالوجود، فتبين بذلك أن الذي هو أولى بقوله: { فيكون } رفع على العطف على قوله: { يقول } لأن القول والكون حالهما واحد. وهو نظير قول القائل: تاب فلان فاهتدى، واهتدى فلان فتاب لأنه لا يكون تائبا إلا وهو مهتد، ولا مهتديا إلا وهو تائب. فكذلك لا يمكن أن يكون الله آمرا شيئا بالوجود إلا وهو موجود، ولا موجودا إلا وهو آمره بالوجود ولذلك استجاز من استجاز نصب «فيكون» من قرأ:
إنما قولنا لشيء إذآ أردناه أن نقول له كن فيكون
[النحل: 40] بالمعنى الذي وصفنا على معنى: أن نقول فيكون. وأما رفع من رفع ذلك، فإنه رأى أن الخبر قد تم عند قوله:
إذآ أردناه أن نقول له كن
[النحل: 40] إذ كان معلوما أن الله إذا حتم قضاءه على شيء كان المحتوم عليه موجودا، ثم ابتدأ بقوله: «فيكون، كما قال جل ثناؤه:
لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشآء
[الحج: 5]، وكما قال ابن أحمر:
Halaman tidak diketahui