Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an
جامع البيان في تفسير القرآن
فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا. فبلغه أن يهود تقول: والله ما دري محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع وجهه إلى السماء، فقال الله عز وجل:
قد نرى تقلب وجهك في السماء
[البقرة: 144] الآية. وقال آخرون: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم إذنا من الله عز وجل له أن يصلي التطوع حيث توجه وجهه من شرق أو غرب، في مسيره في سفره، وفي حال المسايفة، وفي شدة الخوف، والتقاء الزحوف في الفرائض.
وأعلمه أنه حيث وجه وجهه فهو هنالك، بقوله: { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله }. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا عبد الملك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ويتأول هذه الآية: { أينما تولوا فثم وجه الله }. حدثني أبو السائب ، قال: ثنا ابن فضيل، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر أنه قال: «إنما نزلت هذه الآية: «أينما تولوا فثم وجه الله» أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في السفر تطوعا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من مكة يصلي على راحلته تطوعا يومىء برأسه نحو المدينة». وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في قوم عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها، فصلوا على أنحاء مختلفة، فقال الله عز وجل لهم: لي المشارق والمغارب، فأن وليتم وجوهكم فهنالك وجهي، وهو قبلتكم معلمهم بذلك أن صلاتهم ماضية. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا أبو الربيع السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة، فنزلنا منزلا، فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا يصلي فيه. فلما أصبحنا، إذا نحن قد صلينا على غير القبلة، فقلنا: يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة فأنزل الله عز وجل: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم». حدثني المثنى، قال: حدثني الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: قلت للنخعي: إني كنت استيقظت أو قال أوقظت، شك الطبري فكان في السماء سحاب، فصليت لغير القبلة. قال: مضت صلاتك، يقول الله عز وجل: { فأينما تولوا فثم وجه الله }. حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي عن أشعث السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة في سفر، فلم ندر أين القبلة فصلينا، فصلى كل واحد منا على حياله. ثم أصبحنا فذكرنا للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: { فأينما تولوا فثم وجه الله }. وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في سبب النجاشي لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تنازعوا في أمره من أجل أنه مات قبل أن يصلي إلى القبلة، فقال الله عز وجل: المشارق والمغارب كلها لي، فمن وجه وجهه نحو شيء منها يريدني به ويبتغي به طاعتي، وجدني هنالك.
يعني بذلك أن النجاشي وإن لم يكن صلى إلى القبلة، فإنه قد كان يوجه إلى بعض وجوه المشارق والمغارب وجهه، يبتغي بذلك رضا الله عز وجل في صلاته. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هشام بن معاذ، قال: حدثني أبي، عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه "
قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم قال: فنزلت:
وإن من أهل الكتب لمن يؤمن بالله ومآ أنزل إليكم ومآ أنزل إليهم خشعين لله
[آل عمران: 199] قال قتادة: فقالوا إنه كان لا يصلي إلى القبلة، فأنزل الله عز وجل: { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله }. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: أن الله تعالى ذكره إنما خص الخبر عن المشرق والمغرب في هذه الآية بأنهما له ملكا وإن كان لا شيء إلا وهو له ملك إعلاما منه عباده المؤمنين أن له ملكهما وملك ما بينهما من الخلق، وأن على جميعهم إذ كان له ملكهم طاعته فيما أمرهم ونهاهم، وفيما فرض عليهم من الفرائض، والتوجه نحو الوجه الذي وجهوا إليه، إذ كان من حكم المماليك طاعة مالكهم. فأخرج الخبر عن المشرق والمغرب، والمراد به من بينهما من الخلق، على النحو الذي قد بينت من الاكتفاء بالخبر عن سبب الشيء من ذكره والخبر عنه، كما قيل:
وأشربوا في قلوبهم العجل
Halaman tidak diketahui