Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an
جامع البيان في تفسير القرآن
قلت: نعم بأبي أنت وأمي، فنعم الشريك كنت لا تماري ولا تداري يعني بقوله: لا تداري: لا تخالف رفيقك وشريكك ولا تنازعه ولا تشاره. وإنما أصل { فادارأتم } فتدارأتم، ولكن التاء قريبة من مخرج الدال، وذلك أن مخرج التاء من طرف اللسان وأصول الشفتين، ومخرج الدال من طرف اللسان وأطراف الثنيتين، فأدغمت التاء في الدال فجعلت دالا مشددة ، كما قال الشاعر:
تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا
عذب المذاق إذا ما اتابع القبل
يريد إذا ما تتابع القبل، فأدغم إحدى التاءين في الأخرى. فلما أدغمت التاء في الدال فجعلت دالا مثلها سكنت، فجلبوا ألفا ليصلوا إلى الكلام بها، وذلك إذا كان قبله شيء لأن الإدغام لا يكون إلا وقبله شيء، ومنه قول الله جل ثناؤه:
حتى إذا اداركوا فيها جميعا
[الأعراف: 38] إنما هو تداركوا، ولكن التاء منها أدغمت في الدال فصارت دالا مشددة، وجعلت فيها ألف إذا وصلت بكلام قبلها ليسلم الإدغام. وإذا لم يكن قبل ذلك ما يواصله، وابتدىء به، قيل: تداركوا وتثاقلوا، فأظهروا الإدغام. وقد قيل: يقال: اداركوا وادارأوا. وقد قيل إن معنى قوله: { فادارأتم فيها } فتدافعتم فيها، من قول القائل: درأت هذا الأمر عني، ومن قول الله:
ويدرؤا عنها العذاب
[النور: 8] بمعنى يدفع عنها العذاب. وهذا قول قريب المعنى من القول الأول لأن القوم إنما تدافعوا قتل قتيل، فانتفى كل فريق منهم أن يكون قاتله، كما قد بينا قبل فيما مضى من كتابنا هذا. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: { فادارأتم فيها } قال أهل التأويل. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: { فادارأتم فيها } قال: اختلفتم فيها.
حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: { وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها } قال بعضهم: أنتم قتلتموه، وقال الآخرون: أنتم قتلتموه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { فادارأتم فيها } قال: اختلفتم، وهو التنازع تنازعوا فيه. قال: قال هؤلاء: أنتم قتلتموه، وقال هؤلاء: لا. وكان تدارؤهم في النفس التي قتلوها. كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: صاحب البقرة رجل من بني إسرائيل قتله رجل فألقاه على باب ناس آخرين ، فجاء أولياء المقتول فادعوا دمه عندهم فانتفوا أو انتفلوا منه شك أبو عاصم. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله سواء، إلا أنه قال: فادعوا دمه عندهم، فانتفوا ولم يشك منه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قتيل كان في بني إسرائيل فقذف كل سبط منهم حتى تفاقم بينهم الشر حتى ترافعوا في ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأوحى إلى موسى أن اذبح بقرة فاضربه ببعضها. فذكر لنا أن وليه الذي كان يطلب بدمه هو الذي قتله من أجل ميراث كان بينهم. حدثني ابن سعد، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في شأن البقرة: وذلك أن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثرا من المال، وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم، وكان الشيخ لا ولد له، وكان بنو أخيه ورثته، فقالوا: ليت عمنا قد مات فورثنا ماله. وأنه لما تطاول عليهم أن لا يموت عمهم أتاهم الشيطان، فقال: هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم فترثوا ماله، وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته؟ وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في إحداهما، فكان القتيل إذا قتل وطرح بين المدينتين، قيس ما بين القتيل وما بين المدينتين، فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية. وإنهم لما سول لهم الشيطان ذلك وتطاول عليهم أن لا يموت عمهم، عمدوا إليه فقتلوه، ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها. فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ، فقالوا: عمنا قتل على باب مدينتكم، فوالله لتغرمن لنا دية عمنا قال أهل المدينة: نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا وإنهم عمدوا إلى موسى، فلما أتوا قال بنو أخي الشيخ: عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم، وقال أهل المدينة: نقسم بالله ما قتلناه ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا.
وإن جبريل جاء بأمر ربنا السميع العليم إلى موسى، فقال: قل لهم:
Halaman tidak diketahui