Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an

al-Tabari d. 310 AH
190

Jami' al-Bayan 'an Ta'wil Ayi al-Qur'an

جامع البيان في تفسير القرآن

فخرج الراهب، وبقي سلمان وابن الملك فجعل يقول لابن الملك: انطلق بنا، وابن الملك يقول: نعم، وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز. فلما أبطأ على سلمان، خرج سلمان حتى أتاهم، فنزل على صاحبه وهو رب البيعة، وكان أهل تلك البيعة من أفضل الرهبان، فكان سلمان معهم يجتهد في العبادة، ويتعب نفسه، فقال له الشيخ: إنك غلام حدث تتكلف من العبادة ما لا تطيق، وأنا خائف أن تفتر وتعجز، فارفق بنفسك وخفف عليها فقال له سلمان: أرأيت الذي تأمرني به أهو أفضل، أو الذي أصنع؟ قال: بل الذي تصنع؟ قال: فخل عني. ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال: أتعلم أن هذه البيعة لي، وأنا أحق الناس بها، ولو شئت أن أخرج هؤلاء منها لفعلت؟ ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء، وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة أخرى هم أهون عبادة من هؤلاء، فإن شئت أن تقيم ههنا فأقم، وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق. قال له سلمان: أي البيعتين أفضل أهلا؟ قال: هذه. قال سلمان: فأنا أكون في هذه. فأقام سلمان بها وأوصى صاحب البيعة عالم البيعة بسلمان، فكان سلمان يتعبد معهم، ثم إن الشيخ العالم أراد أن يأتي بيت المقدس، فقال لسلمان: إن أردت أن تنطلق معي فانطلق، وإن شئت أن تقيم فأقم. فقال له سلمان: أيهما أفضل أنطلق معك أم أقيم؟ قال: لا بل تنطلق معي. فانطلق معه فمروا بمقعد على ظهر الطريق ملقى، فلما رآهما نادى: يا سيد الرهبان ارحمني يرحمك الله، فلم يكلمه، ولم ينظر إليه، وانطلقا حتى أتيا بيت المقدس، فقال الشيخ لسلمان: اخرج فاطلب العلم فإنه يحضر هذا المسجد علماء أهل الأرض. فخرج سلمان يسمع منهم، فرجع يوما حزينا، فقال له الشيخ: مالك يا سلمان؟ قال: أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم، فقال له الشيخ: يا سلمان لا تحزن، فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه وهذا زمانه الذي يخرج فيه، ولا أراني أدركه، وأما أنت فشاب لعلك أن تدركه، وهو يخرج في أرض العرب، فإن أدركته فآمن به واتبعه فقال له سلمان: فأخبرني عن علامته بشيء. قال: نعم، هو مختوم في ظهره بخاتم النبوة، وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد، فناداهما فقال: يا سيد الرهبان ارحمني يرحمك الله، فعطف إليه حماره، فأخذ بيده فرفعه، فضرب به الأرض ودعا له، وقال: قم بإذن الله، فقام صحيحا يشتد، فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه يشتد. وسار الراهب فتغيب عن سلمان ولا يعلم سلمان. ثم إن سلمان فزع فطلب الراهب، فلقيه رجلان من العرب من كلب فسألهما: هل رأيتما الراهب؟ فأناخ أحدهما راحلته، قال: نعم راعي الصرمة هذا، فحمله فانطلق به إلى المدينة.

قال سلمان: فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط. فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم هذا يوما وهذا يوما، فكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى الله عليه وسلم. فبينا هو يوما يرعى، إذ أتاه صاحبه الذي يعقبه، فقال: أشعرت أنه قد قدم اليوم المدينة رجل يزعم أنه نبي؟ فقال له سلمان: أقم في الغنم حتى آتيك. فهبط سلمان إلى المدينة، فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودار حوله، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم عرف ما يريد، فأرسل ثوبه، حتى خرج خاتمه، فلما رآه أتاه وكلمه، ثم انطلق، فاشترى بدينار ببعضه شاة وببعضه خبزا، ثم أتاه به، فقال:

" ما هذا؟ "

قال سلمان: هذه صدقة قال:

" لا حاجة لي بها فأخرجها فليأكلها المسلمون "

ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:

" ما هذا؟ "

قال: هذه هدية، قال:

" فاقعد "

، فقعد فأكلا جميعا منها. فبينا هو يحدثه إذ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيا فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم:

Halaman tidak diketahui