وقد اعتمد الناس قديما وحديثا كتاب ترتيب المدارك، لعلو قدره، وبراعة نسجه - فضلا عن جلالة مؤلفه -، وكل من تكلم بعده في موضوعه فهو صادر عنه وعالة عليه، قال شمس الدين السخاوي: «وقد عوّل على المدارك كل من بعده» (١). وقال الأستاذ عبد الله كنّون: «وهو كتاب سد به فراغا عظيما في هذا الباب، ولم يقم قبله ولا بعده من فرى فريه فيه، وإنما حسب كتاب التراجم والطبقات أن ينقلوا عنه ويلخصوه ويذيلوا عليه، ومع ذلك فإنهم لم يحاكوه أو يقاربوه، فأحرى أن يأتوا بمثل نفسه العالي» (٢).
بيد أن عدم إسماع القاضي عياض لهذا الكتاب العجاب - كما صرح به ابنه (٣) -، وتركه في مسوّدته كدّر صفوه، فاختلفت نسخه اختلافا كبيرا (٤)، وأعان على ذلك طبيعة خط مؤلفه في مسوداته حسبما أشار ابن فرحون في ترجمة محمد بن سعيد بن علي الغرناطي المعروف بالطراز فقال: «وتجرد آخر عمره إلى كتاب مشارق الأنوار تأليف القاضي أبي الفضل عياض، وكان قد تركه في مبيضته في أنهى درجات التثبيج (٥) والإدماج والإشكال وإهمال الحروف، حتى اخترمت منفعتها. . .» (٦).
_________
(١) الإعلان بالتوبيخ: ٥٦٣.
(٢) القاضي عياض (من بحوث دورة القاضي عياض): ٢/ ١٦ - ١٧.
(٣) التعريف بالقاضي عياض: ١١٦. ولم يمنع عدم إسماع المؤلف لكتابه المذكور من إجازته، ينظر أزهار الرياض في أخبار عياض: ٤/ ٣٤٩ - ٣٥٠.
(٤) تنظر مقدمة تحقيق ترتيب المدارك لمحمد بن تاويت الطنجي: ١ /كح - كط.
(٥) التثبيج هو تعمية الخط وترك بيانه كما في القاموس المحيط للفيروز اباذي (مادة: ثبج): ١٨٢.
(٦) الديباج المذهب: ٢/ ٢٧٨.
1 / 41