Jamal Din Afghani: Abad Pertama 1897-1997
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Genre-genre
ويستمر الأفغاني في هذا الوصف التفصيلي المعروف في مصر أيضا في عصر إسماعيل وتكبيله بالديون ثم شراء أسهم قناة السويس وخلعه ووضع سعيد ثم توفيق مكانه حتى احتلال مصر، مركزا على شبه القارة الهندية خاصة في الشمال. فعندما وقعت الحرب بين الأفغانيين والبنجابيين خاف الإنجليز من تسلط الأفغان. فتدخلوا للصلح بينهم. وسحروا الأفغانيين بلين القول حتى تركوا لهم بيشاور وما يليها، وأجلى الأفغان بنجاب. وبعد ذلك بعشر سنوات زحف الإنجليز على بنجاب وافتتحوها بأنفسهم، واستولوا على بيشاور، وأدرك الأفغان الحيلة بعد فوات الأوان. وقد حدث أيضا أن خلع الإنجليز في الهند أميرا رأوا فيه البصيرة والحزم، وأقاموا بدلا منه ابنه، وجعلوا أنفسهم أوصياء عليه. واستولوا على خزائنه، وأداروا مملكته، واستولوا على عسكره، ولم يبق له إلا الاسم. وتم لهم ذلك تحت راية العدالة والإصلاح واستقرار النظام، والمحبة والإخلاص. وإذا اشتكى الملك إلى لندن تركوه حتى يجوع. وأمراء الشرق تلهيهم الألقاب والأسماء والألفاظ حتى ولو كانت مجردة من أية حقوق يلتذ بها، مثل: نائب، راجا، خديوي، سلطان. وفي نفس الوقت يستولي الإنجليز على كل الوظائف السامية. ويوزعون بعضهم على الطوائف لتقريب بعضها على البعض الآخر، مثل الفرس أولا الذين على دين زرادشت، وهم المجوس، ثم الوثنيون وأخيرا المسلمون. فليس للمسلمين حظوظ في الوظائف إلا ما يتركه المجوسي والوثني، وفي نفس الوقت يدعي الإنجليز أنهم أولياء المسلمين، وينفون علماء المسلمين الذين يؤمنون بآيات الجهاد في القرآن الكريم.
تحولت الهند إلى خراب بفضل الإنجليز بعد نهبها وتقطيعها . وأهان الإنجليز الهنود، يركلونهم بالعصي لأنهم ليسوا من البشر. وتسلط الإنجليز في الأماكن العالية مع أن البراهما الذي فتح الهند قادما من إيران لم يذل الهنود مع أنهم كانوا يعتقدون أنهم من سلالة الآلهة، وأشركوا الهنود معهم. وفتح المسلمون الهند، وعاملوا الوثنيين مثل معاملة المسلمين حتى أوقع الإنجليز بينهم الشقاق، يتهمون المسلمين بالتعصب مع أن في حكومة المسلمين سنة وشيعة ووثنيين وفي حكومات الإنجليز لا يوجد هندي في وظيفة شريفة، ولكن النعمة تجلب النقمة. ونعمة الهند جلبت نقمة الإنجليز لا على ما يحيط بالهند؛ لأن الإنجليز يعتبرونه من خلال ما يجب تأمينه حفاظا على الهند. أتت النقمة على العثمانيين ومصر. فقد استولت إنجلترا من العثمانيين على قبرص بحجة المحافظة على ممتلكات إنجلترا في شرق المتوسط، وربما كانت نفس الحجة لاحتلال مصر وقناة السويس باب الهند والسودان مصوع وسواكن وعدن وباب المندب وجبل طارق، وكلها أبواب للهند وأفغانستان وإيران. وقد حاول الإنجليز نفس التحايل على أفغانستان فلم تفلح فأتت بجيش قوامه ستون ألف جندي لاحتلاله وهم في أعلى درجات التسليح ولكن هزمهم الأفغان، فعاد الإنجليز إلى الحيلة. أما بلاد العجم فقد تم تقسيمها إلى مناطق نفوذ بين إنجلترا وروسيا اقتصاديا، ملاطفة الأفغان مرة والقسوة على إيران، وملاطفة إيران مرة للقسوة على الأفغان، ضربا للأخ بأخيه، والعدو كاسب في كلتا الحالتين، توحيد الأعداء، وتفريق الأصدقاء. ولم يأت الأفغاني الهند ليخيف بريطانيا أو لإحداث شغب عليها ولكن خوف بريطانيا من عالم أعزل يثبت ضعفها وعدم أمنها من حكمها. إنما مهمة الأفغاني استنهاض الهنود ويقظة الشرق في مواجهة الاستعمار.
ويستعمل الأفغاني أسلوب الرمز. ويشرح أسطورة هيكل عظيم خارج مدينة إصطخر لم يأوه أحد إلا مات دون معرفة سبب موته. فأتاه شخص يحب الموت. وسمع أصواتا مزعجة تريد الفتك به. فرحب بها لأنه سئم الحياة. ثم اختفت الأصوات داخل الطلسم، وتناثرت الدراهم والدنانير . وفي الصباح أتوا لتشييع جنازته فوجدوه حيا مستبشرا. وذلك لأن هلاك من هلك إنما كان بالفزع مما لا حقيقة له. فكذلك بريطانيا هيكل عظيم يموت الداخلون فيه من الفزع. هكذا حال الهنود، يخافون من شبح لا وجود له. فقد ذهب الإنجليز إلى الهند قوة مجتمعة، وتسابقوا مع الفرنسيين والهولنديين والبرتغاليين إلى أراضي الهند الواسعة، وغلبوا طيبة قلوب الهنود، وأوهموهم بتخليصهم من الأمم الظالمة، فرنسا والبرتغال وهولندا. سيطر الإنجليز في الهند والهند الصينية وبرما على نحو مائتين وثمانية ملايين من الشرقيين، ولو كانوا ذبابا لأصموا الآذان بالطنين. ويصيح فيهم الأفغاني صيحته الشهيرة
لو كنتم وأنتم تعدون بمئات الملايين ذبابا مع حاميتكم البريطانيين، ومن استخدمتهم من أبنائكم فحملتهم سلاحها لقتل استقلالكم وهم بمجموعهم لا يتجاوزون عشرات الألوف، لو كنتم أنتم مئات الملايين كما قلت ذبابا لكان طنينكم يصم آذان بريطانيا العظمى، ويجعل في آذان كبيرهم المستر غلاد ستون وقرا. ولو كنتم أنتم مئات الملايين من الهنود وقد مسخكم الله فجعل كلا منكم سلحفاة وخضتم البحر وأحطتم بجزيرة بريطانيا العظمى لجررتموها إلى القعر وعدتم إلى هندكم أحرارا ... اعلموا أن البكاء للنساء والسلطان محمود الغزنوي ما أتى إلى الهند باكيا بل أتى شاكيا السلاح. ولا حياة لقوم لا يستقبلون الموت في سبيل الاستقلال بثغر باسم .
15
وهذا ما حققه غاندي بعد ذلك بالساتياجراها، تحويل الملايين من الهنود إلى قوة بشرية في مواجهة الاستعمار الإنجليزي. وهو ما استأنفه غاندي وسعد زغلول وعبد الناصر ونهرو وعرابي والمهدي من قبل وليس كما يحدث الآن من تفتيت للسودان وعزله عن مصر، واتجاه مصر غربا.
الفصل السادس
مصر والشرق
(1) المسألة الشرقية
سواء بدأ الأفغاني من العام إلى الخاص، من الشرق إلى مصر أو بدأ من الخاص إلى العام، من مصر إلى الشرق فإن النهاية واحدة، مصر بؤرة الشرق، والشرق مركزه مصر.
Halaman tidak diketahui