ونقول انك انما تقدر على استخراج معرفة الوقت الذى فيه ينبغى ان يغذى المحموم فى جميع الحميات التى تترك صاحبها حتى يكون فى بعض الاوقات غير محموم بان تقصد النظر فى هذين الامرين: احدهما ان تجعل انالتك اياه الغذاء فى الوقت الذى هو فيه غير محموم، والآخر ان تتحرى بان يكون ذلك الوقت ابعد من وقت مبدأ النوبة التى تتوقعها من نوائب الحمى. فمتى لم يجتمع لك هذان كما يجتمعان فى هذه الحمى التى ذكرناها ههنا وقلنا انها تنوب ستا وعشرين ساعة وتترك اثتنين وعشرين ساعة فينبغى لك ان تغذو المريض فى اول ما تبتدئ الحمى فى المفارقة، فانك اذا فعلت ذلك كنت قد عرفته قبل مبدأ وقت النوبة المقبلة بمدة طويلة وكان انالتك اياه الغذاء وهو غير محموم. واما متى كان وقت تركها وفتورها وقتا قليل المدة حتى لا يكون بين انقضاء النوبة الاولى ومبدأ النوبة الثانية الا مقدار اربع او خمس ساعات فان ذينك الغرضين يقاوم كل واحد منهما صاحبه. ولا بد لك حينئذ من احد امرين: اما ان تبطئ سكون الحمى فتكون قد غذوت المريض فى وقت ليس بالبعيد عن وقت مبدأ النوبة التى تتوقعها، واما ان تتقدم فى انالته الغذاء قبل هذا الوقت بمدة طويلة فتكون قد غذوته وهو بعد محموم. وينبغى لك عند مثل هذه المقاومة ان تحذر وتتوقى اضر الامرين وتختار وتؤثر اقلهما مضرة فتغذو المريض وهو محموم وليس يخفى عليك ان ذلك انما ينبغى ان يكون فى وقت انحطاط الحمى. فاذا كان وقت ترك الحمى وفتورها انما هو مقدار اربع ساعات فقط فالاجود ان تغذوه قبل انقضاء الدور باربع او خمس ساعات اخر كيما تكون معدته عند مبدأ النوبة الاخرى قد خلت من الطعام، فان المحموم اذا لحقه دور الحمى وفى معدته طعام اضر ذلك به غاية الاضرار. فهذا ما اردته من ذكر وقت الغذاء فى الحمى وقد فرغت منه.
واما ما اردته من ذكر المعنى الذى يدل عليه اسم هذه الحمى فأحسبنى احتاج فيه الى مقالة اطول من المقالة التى وضعها اغاثينس متى اخذت نفسى ان لا اقصر فى شىء منه. فانه ليس من الانصاف ان اتخطى ما احال فى قوله اياه ولا من الصواب ان نعجب من ذكر ما قد غلط واخطأ فيه بلا رد عليه ولا نقض له. واذ كان الامر فى هذا على ما وصفت فما حاجتى الى تطويل هذا الكتاب وانا اقدر ان ارشد من احب ان يعلم كيف فسر اغاثينس هذا الاسم وكيف شرحه الى كتاب اغاثينس فى شطر الغب ان يتعلم ذلك من المقالة الاولى منه وارشد من احب ان يعلم ما قلناه نحن فى ذلك الى كتابنا فى الحميات لينظر فيه ويتعرف ذلك منه؟
الا ترى الآن اننى لما اردت الدلالة على وقت غذاء المحموم دللت عليه فى اسرع الاوقات ولما اردت ان اذكر المعنى الذى يدل عليه اسم هذه الحمى وجدته يحتاج منى الى مقالة تامة؟ فالامر اذا على ما وصفت من ان الانسان يقدر ان يعلم هؤلاء ما ينتفع به اسرع واوحى من ان يشرح لهم كل واحد من الاسماء على النحو الذى يامرون به فى شرح الاسماء والالقاب مذهبا ونحوا واحدا. بل بعضهم يطالب فى ذلك ان يكون الشرح مأخوذا من نفس دلالة الالفاظ وبعضهم يأمرون بكون ذلك مأخوذا مما جرت به عادة اهل هذا العصر وبعضهم يريد ان يكون ذلك غير مأخوذ من شىء اصلا. اما دلالة الالفاظ فبمنزلة ما جعل بروديقوس الذى قصد الى الشىء الذى يسميه الخلق كلهم مرة فسماه هو بلغما، وانما فعل ذلك لان اسم البلغم باليونانية اذا نظر فى اشتقاقه وجد مشتقا من الالتهاب والاحتراق، وان هذا الخلط اعنى المرار انما يتولد على هذا السبيل.
واما من عادة القدماء فبمنزلة جميع من يريد ان يكون اسم الورم الحار باليونانية وهو فلغمونى لا يصرف الا على الالتهاب فقط واسم الام من الاعضاء لا يصرف الا على الاغشية فقط.
Halaman 13