2
ودعاة هذه النظرية قد يعتدلون في بعض الأحيان فيقنعون بأن يقصروا مجال نظريتهم على العالم المادي فحسب، لكنهم في أحيان أخرى يبلغ بهم الحماس حدا لا يجعلهم يقنعون بحصر أنفسهم في جانب واحد من جوانب الكون، يقول «هكسلي»: «إن من له أدنى دراية بتاريخ العلم سوف يسلم بأن تقدم العلم في جميع العصور، كان يعني - وهو الآن يعني أكثر من أي وقت مضى - توسيع نطاق ما نسميه بالمادة والسببية
Causation
وما صاحبهما من استبعاد تدريجي لما نسميه بالروح والتلقائية من جميع مجالات الفكر البشري ... وكما أن من المؤكد أن كل مستقبل يخرج من جوف الحاضر والماضي، فكذلك سوف يمد الفسيولوجيا في المستقبل نطاق المادة والقانون تدريجيا حتى يصبح متساويا في الامتداد مع المعرفة والوجدان والفعل.»
3
ويقول المؤلف نفسه أيضا: «إننا ... لسنا سوى حلقات في سلسلة عظيمة من الأسباب والنتائج تؤلف - في اتصال لا ينقطع - ما هو كائن ، وما قد كان، وما سيكون - أعني جملة الوجود ومجموعه.»
4
وليس معنى ذلك أن الجبريين لا ينكرون بالضرورة وجود الذهن ولا يعترفون بشيء خلاف المادة، فهم في حقيقة الأمر قد يقرون وجود الذهن وجودا حقيقيا، لكنهم في هذه الحالة يصرون على القول بأن الحالات النفسية لا بد أن تكون دائما، وبصفة شاملة محتومة وفق الحالات العصبية، لا بل محتومة بتلك الحالات العصبية، والعكس هنا غير صحيح؛ إذ تستحيل في أية حالة من الحالات أن تكون الحالة النفسية هي الحاتمة، والحالة العصبية هي المحتومة لها. «قد يفترض ... أن التغيرات الدقيقة جدا في المخ هي سبب جميع حالات الشعور عند الحيوان، فهل هناك أدنى دليل على أن حالات الشعور هذه يمكن على العكس أن تسبب التغيرات الدقيقة جدا التي تؤدي إلى الحركة العضلية؟ إنني لا أرى مثل هذا الدليل، ومن المؤكد تماما أن الحجة التي تنطبق - على قدر حكمي - على الحيوان، يصبح انطباقها كذلك على الناس. ومن ثم فإن جميع حالات الشعور عندنا - كما هي عند الحيوان - قد سببتها مباشرة التغيرات الدقيقة جدا في المخ ... ويبدو لي أنه لا يوجد برهان عند الإنسان - ولا عند الحيوان - على أن الحيوان - على أن أية حالة من حالات الشعور هي سبب التغير في حركة مادة الكائن الحي.»
5
وبالتالي فإن أية حالة معينة في المخ - تبعا لافتراض «مذهب الظاهرة المصاحبة» هذا - يقابلها باستمرار كمصاحب لها، حالة معينة من حالات الذهن. ويمكن أن نلخص النقاط الأساسية في هذه النظرية في ثلاثة: هناك أولا سلسلة من التغيرات الفيزيائية أو عمليات المخ. ثم هناك ثانيا سلسلة مصاحبة لها من التغيرات أو العمليات النفسية، تحدث معها في آن واحد، وهنالك بعد ذلك العلاقة بين السلسلتين، وهي علاقة يزعم لها أنها علاقة المصاحبة في الحدوث، مع انفراد كل من الفعلين بخط مستقل في مساره «علينا أن نتأمل موسيقارا غير مرئي، يعزف قطعة موسيقية من وراء الستار «أو خلف الكواليس»، بينما الممثل يلمس أصابع البيانو دون أن يحدث صوتا : إننا ينبغي علينا أن نفترض أن الشعور إنما يأتي من منطقة مجهولة، وإنه يفرض على تذبذبات الجزئيات تماما كما يفرض اللحن على حركات الممثل الإيقاعية.»
Halaman tidak diketahui